الإعجاز العلمي في رمضان
الحمدُ للهِ الذِي أنزلَ القرآنَ هُدًى للناسِ، وبيناتٍ مِنَ الهدَى والفرقانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ القائلُ سبحانَهُ : (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ) ([1]) وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وصفِيُّهُ مِنْ خلقِهِ وخليلُهُ القائلُ:« اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعاً لأَصْحَابِهِ»([2]) فاللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.
أما بعد: إخواني أعضاء منتدانا الغالي هلمو معي لتكتشفو عبر هذه الرحلة الإيمانية فوائد و أسرار و إعجاز علمي لرمضان و أشياء كثيرة و أتمنى أن يعجبكم الموضوع
آيات الرّحمن في صيام رمضان
فينبغي للمسلم أن يعلم أنَّ الصّيام هو: ركن من أركان الإسلام الخمسة،ونحاول في هذه المطوية أن نتلمس: بعض الحكم الرَّبانيَّة، والفوائد الصِّحيِّة لهذا الرُّكن العظيم.
الصِّيام هو الامتناع عن الأكل والشُّرب مدَّةً زمنيةً معينةً.
جاءت جميع الشَّرائع السَّماويَّة بفريضة الصَّيام منذ آدم -صلّى الله عليه وسلّم- وحتَّى نبيِّنا محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-، مرورًا باليهوديَّة والنَّصرانيَّة.. قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
ثالثًا: الصَّيام في العصور التَّاريخيَّة
مارس المصريون القدماء، والهنود، والبراهمة، والبوذيُّون، وغيرهم، أنواعًا متعددةً من الصِّيام.. وفي عهد البطالسة كان أطباء الإسكندرية ينصحون مرضاهم بالجوع تعجيلًا للشِّفاء.!!، ولجأ إليه أطباء اليونان لمعالجة الكثير من الأمراض الّتي استعصت على الشّفاء (كما ينصح به أطباء العصر الحديث).
من المعلوم أن المعدة هي من الأعضاء الّتي تعمل طوال العام بلا كللٍ ولا مللٍ..!! لذلك فهي تحتاج إلى راحةٍ من حينٍ لآخر، و إلا أصابها المرض، ولذلك فقد منحها الاستلام أيَّامًا معدودةً من كلِّ عامٍ وهو (شهر رمضان المبارك)؛ ليصوم فيه المسلم، فتهدأ معدته وتستريح من عناء أحد عشر شهرًا كاملةً.
يقول الأطباء: يدخل إلى جسم الإنسان في فترة حياته:
أولًا: أكثر من مائتي كيلو غرام من المعادن والمواد السَّامَّة.. من خلال الماء الّذي يشربه (فقط)…!!!
ثانيًا: كما يدخل من خلال الهواء الّذي يستنشقه عدة كيلوغرامات من المواد السَّامَّة مثل: أكاسيد الكربون والرَّصاص والكبريت … الخ.
وهذه السُّموم الّتي تتراكم خلال حياة الإنسان لا يمكن للجسم إزالة آثارها إلا بالصِّيام، فيتفرغ الجسم لصيانة وتنظيف الخلايا بشكلٍ فعال، وذلك عن طريق تدمير الخلايا الضَّعيفة، وتوليد خلايا قويّة وسليمة…!!!
فالصَّوم نعمةٌ عظيمةٌ من نعم الله -تعالى-، قال -عزّ وجلّ-: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:184].
الإنسان يصوم…!! الحيوان يصوم..!! النَّبات يصوم..!!
لقد تبين لعلماء الطّبيعة ، أنَّ جميع الكائنات الحية تمارس نوعًا من الصِّيام كالإنسان تمامًا، فالأفعى والدُّب القطبيّ علـى سبيل المثال، يمتنعان عن الطَّعام والشَّراب لمدة 6 شهور تقريبًا (فترة السُّبات الشتويّ)، وكذلك فإنَّ النَّباتات، والأزهار، والأشجار، والغابات بحاجة إلى قطع أو تقليل الغذاء عنها من المياه والأسمدة -فترةً معينةً- (في فترة الجفاف وانقطاع الأمطار )، كي تنمو، وتقوى… وتزدهر… وإلا تلفت… يا سبحان الله..!!
كتب الطَّبيب السُّويسريّ (بارسيلوس): “أنَّ فائدة الصَّوم في العلاج تفوق مرّات ومرّات استخدام الأدوية المختلفة”..!أما (فينيامين) الأستاذ في جامعة موسكو، فقد كتب يقول : “أنَّ الإنسان تعاف نفسه الطّعام وترفضه في بعض الأحيان.وكأنَّها بذلك تفرض على نفسها الصِّيام الإجباريّ كي تستريح المعدة وترتاح”.!!
كما أكد البروفسور (بيلوي) في كتابه (الجوع من أجل الصِّحة عام 1976): “أنَّ على كلّ إنسانٍ -وخاصّةً- سكان المدن الكبرى، أن يمارسوا الصَّوم بالامتناع عن الطَّعام لمدة (3 – 4 أسابيع) كلّ سنةٍ، كي يتمتعوا بالصّحة الكاملة طيلة حياتهم..!!
ملاحظة: تأمل -أخي الحبيب- مدّة هذه الوصية، وكم هي مطابقة لفريضة الصَّيام في شهر رمضان المبارك.
اكتشف العلم الحديث أن للصيام فوائد صحيَّةً مدهشةً، بخلاف ما كان يعتقد في الماضي أنَّ هذه الفوائد مقصورة على الجوانب الرُّوحية (من الأجر والثواب فقط…)، منها على سبيل المثال:
1- الصِّيام والسُّمنة: يودي الإفراط في تناول الطَّعام والشّراب -غالبًا- إلى زيادة الوزن، وينتج عن ذلك مضاعفات خطيرة مثل: ارتفاع ضغط الدَّم، تصلب الشَّرايين، أمراض الكبد ، أمراض المفاصل، السُّكر.. الخ.
وينصح الأطباء كل من يرغب في إنقاص وزنه، أن يتبع نظامًا معينًا في الغذاء، خلاصته الامتناع عن الطَّعام والشَّراب فترة من الزذَمن، حتى يتسنى للجسم حرق المخزونات الزَّائدة ، للقضاء على السُّمنة.. وهذا هو ما يحققه الصَّوم فهو: العلاج لكلِّ هذه الأمراض بإذن الله -عزّ وجلّ-.
2- الصِّيام والأمراض الباطنية: يفيد الصّوم في علاج الاضطرابات المزمنة للأمعاء، وذلك نظرًا لاستراحة الجهاز الهضميّ أثناء ساعات النَّهار، وهذا بدوره يعطي للأمعاء فرصة للتَّخلص من السُّموم والفضلات المتراكمة فيها.! فالصّيام يعتبر من أفضل الوسائل لتطهير الأمعاء. الله أكبر..!!!
3- الصَّوم يخفض الشَّهوة الجنسيَّة: إنَّ إنتاج الهرمون الجنسيّ يكاد يكون معدومًا أثناء الصَّوم، وهذا ما حدثنا عنه الحبيب الأعظم نبيُّنا -صلّى الله عليه وسلّم- بقوله: «يا معشر الشَّباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج. فإنَّه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم؛ فإنَّه له وجاء» [متفق عليه واللفظ لمسلم 1400].
(والوجاء هو رض عروق البيضتين، فيكون شبيهًا بالخصاء)… وفي هذه الكلمة، حقيقةٌ علميةٌ باهرةٌ، لانخفاض شهوة الصّائم الجنسيَّة، بسبب انخفاض هرمون الجنس عنده حتى الحدود الدُّنيا (إذا استمر الصَّوم)، وهذا ما أثبته العلم… حقًّا إنَّه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
4- الصّوم مفيدٌ حتى لمدمني المخدرات والتَّدخين!: من المعلوم أنَّ الجسم يدمر الخلايا المريضة ومنها المدمنة أثناء الصّوم، ويولد خلايا سليمةً وقويّةً… وبالنَّسبة لمدمني المخدرات والتَّدخين، فهم يتخلصون من الخلايا الضَّعيفة الّتي أثر عليها التّدخين والنِّيكوتين و المخدرات؛ ليعوض الجسم مكانها خلايا سليمةً غير مدمنةٍ، وبالتالي يتماثلون للشّفاء بسرعةٍ مذهلةٍ، فالصَّوم يعمل في الجسم على مستوى الهدم والبناء… الحمد لله.
5- الصَّوم شفاءٌ من آلام المفاصل: من الأشياء المدهشة في الصَّوم أنَّه يساعد على شفاء آلام الظّهر والعمود الفقريّ والرَّقبة.. وقد وضحت دراسة نرويجيَّة أنَّ الصَّوم: علاجٌ ناجحٌ لالتهـاب المفاصل بشرط أن يستمر الصَّوم لمدة أربعة أسابيع.. يا سبحان الله..!!
6- فوائد الصِّيام على باقي الأجهزة: ثبت علميًّا -أيضًا- أنَّ للصِّيام فوائد مذهلةً على: جهاز المناعة، والجهاز الدّوريّ، والجهاز الهضميّ، والجهاز التَّناسليّ، والجهاز البوليّ، والقلب، والسُّكر، والسَّرطان….. الخ، وذلك من فضل الله -تبارك وتعالى-.!!!
ملاحظة: هناك الكثير من النَّاس يمتنعون عن الطَّعام والشَّراب بشكلٍ قاسٍ، على خلاف الصَّوم الإسلاميّ، من أجل تخفيف أوزانهم (الرَّجيم)، وهم لا يعلمون إنَّهم بذلك يدمرون الاحتياطيّ الحيويّ في أجسادهم، والّذي قد يسبب لهم مضاعفات خطيرة قد يودي بهم إلى: انهيار صحيّ أو ربما موت مفاجئ (كما يُلاحظ هذا في بعض الأحيان).
فائدة 1: الصِّيام الّذي يمارسه غير المسلم (الرّجيم ) هو: صيام تجويعٍ ولا يتحقق إلا بإشراف الطَّبيب، بينما الصّيام الإسلاميّ، لا توجد له أية مخاطر أو إضرار إطلاقًا فهو ربانيٌّ مأمون النّتائج.
فائدة 2: في الصّوم الطّبيّ (وغيره من أنواع الصّوم غير الإسلاميّ)، يصوم الإنسان -غالبًا- والكلّ من حوله مُفطر، مما يُؤثر سلبًا على: نفسيته، وأخلاقه، وصحته (تمامًا كحال المُفطر في رمضان ممن ليس له عذرٌ شرعيٌّ) بينما الصّوم الإسلاميّ يقبل عليه المسلمون برغبةٍ شديدةٍ وهم يصومون معًا ويفطـرون معًا وكأنَّهم أسرةٌ واحدةٌ، فيمارسونه بيسرٍ وسهولةٍ واشتياقٍ… مصداقًا لقوله -تعالى-: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185].
من أسـرار الصـيام
وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [ البقرة: 184 ]
فرَض اللَّه سبحانه الصيامَ على المسلمين كما فرَضه على الأمم السابقة؛ وذلك لأهميَّته العظمَى في التربية الجسمية والعقلية والرُّوحيَّة؛ قال – تعالى -: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ï´¾ [البقرة: 183].
وجوهر الصِّيام هو كفُّ النَّفْس عما تشتهيه، وترويضها على السموِّ عن النزوات والنزغات، وكانتِ الأمم السابقة تكفُّ عن تناول ألوان خاصَّة من الطعام، وكان بعضها يكفُّ عن الكلام فترةً من الزمان، وقدْ أوْصَى عيسى – عليه السلام – أمَّه بالصيام عن الكلام، وأمه تشير إلى قومِها موحية إليهم: ï´؟ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ï´¾ [مريم: 26].
وقد جاءَ الصيامُ في الإسلام ليحقِّق أدقَّ نِظام وأسْمى وسيلة للرقيِّ البشري مِن الجوانب المادية والرُّوحيَّة على السواء، فهو مقاومةٌ للشَّرَه والنَّهم لفترة محدودة مِن كل يوم، ولأمَدٍ محدود مِن العام، وهو مقاومة لطُغيان الشهوات والنزوات، وترويض للغرائِز البهيميَّة التي تتحكَّم في معظم الناس، وهو إلى هذا ترويضٌ للألسِنة لتقتصدَ في السخف والهذر واللغو، وهو إلى جانبِ هذه الفضائل الرَّادِعة يحقِّق فضائلَ إيجابيَّة عديدة، مثل تقوية العزائِم الواهية، وتوثيق الصِّلات الاجتماعيَّة بيْن مختلف الطبقات عن طريق الترغيبِ في الصَّدَقات الاختياريَّة وزكاة الفِطر الإجباريَّة، والتمسُّك بالصبر، وسنتناول هذه الفضائل بإيجاز:
الكف عنِ الطعام والشراب: الكف عنِ الطعام والشراب لفترةٍ محدودة يقوم على أنَّ مُعظَم الناس يُفرِطون في الْتِهام الطعام والشَّراب إلى درجةٍ تُعرِّضهم لكثيرٍ مِن الأمراض التي تدمِّر الجسم.
ولهذا قال أحدُ أساطين الطب: “إنَّ كثيرين مِن الناس يَحفِرون قبورَهم بأسنانهم”، وقد قام أحدُ الأطباء المصريِّين بتجارِبَ عمليةٍ دقيقة، اتَّضح منها أن الأغلبية الساحقة من الناس يأكلون ثلاثةَ أمثال ما تحتاج إليه أجسامُهم؛ فتتكدَّس الشحوم والدهون في أجسامهم؛ فتدمِّرها تدميرًا، وهذا يذكِّرنا بقوله – تعالى -: ï´؟ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ï´¾ [الأعراف: 31]، وقوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما ملأَ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطن، بحسْب ابنِ آدم لُقيمات يُقمنَ صُلبَه، فإنْ كان لا بدَّ فاعلاً فثُلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثُلث لنفَسه))، والحِكمة النبويَّة في عبارة ((وثُلُث لنفَسه)) كشفَها الطب الحديث؛ فإنَّ المعِدة إذا امتلأتْ ضغطت على الحجاب الحاجز فيضغط بدوره على الرِّئتين ضغطًا يعوقهما عن حركة النفَس، وهنا يشعر الآكِل النهم بضِيق في الصدر يظلُّ يجثم على صدْرِه، حتى تستطيع المعدة التخلُّص مِن زحمة الطعام، والمعدة إذا امتلأتْ بالطعام عجزتْ عن الهضم. وفي الصيام تخفيفٌ عن أعضاء الجهاز الهضمي الذي يُرهِقه الإفراط في التِهام الطعام إرهاقًا شديدًا، وإذا كانتِ الآلات الحديديَّة الصماء تتحطَّم إذا واصلتِ العمل دون راحةٍ، فما بالك بأعضاء الإنسان؟! إنَّ معظم العلاج الطبيعي الآن لا يتمُّ إلا بالكفِّ عن الطعام والشراب، وكثير مِن المستشفيات العالمية تُعالِج مرضاها عن طريقِ الصيام لفترات محدودة، تُتيح للجسم أن يتخلَّص مما تكدَّس فيه مِن شحوم ودهون؛ فقد ثبَت طبيًّا أنَّ الأجسام عندَ الصيام تستمدُّ غِذاءها مما اختزنتْه من شحوم ودهون؛ وبهذا تتخلَّص من أعبائها الثقيلة التي ترهِق القلوب كما ترهِق بقيةَ الأعضاء.
وكان (مكفادون) – أبو الطب الطبيعي – يعتمد في علاجِه أكبرَ الاعتماد على الصيام، ثم على أساليبِ الرياضة البدنيَّة المختلفة، وكان يكفُّ عن الطعام يومين مِن كل أسبوع.
الكف عن الشهوات:مِن الغرائز القويَّة المتحكِّمة في الجمهرة العُظمَى من الناس الغريزة الجنسيَّة، فإذا لم يتمَّ تنظيمُها وتنسيقها والسموُّ بها دمَّرتْ أصحابها شرَّ تدمير كما حطَّمتِ المجتمعات أيَّ تحطيم، والإسلام لا يكبح الغرائز؛ وإنَّما يسمو بها وينظِّمها لخير الأفراد والجماعات؛ ولهذا حضَّ على الزواج وقاوم الرهبانيَّة، وأباح تعدُّد الزوجات لحِكمة عُظمَى قد نتناولها قريبًا فيما نعرِض له مِن دراسات، والحِكمة في الزَّواج – كما عرَض الإسلام – تقوم على الإنجاب وامتدادِ النَّسْل امتدادًا للحياة، وليستْ لمجرَّد إرْضاء النَّزوات البهيميَّة، ولا لإشباع الرَّغَبات الجنسيَّة، وإنْ كان هذا مباحًا إذا تَمَّ عن طريق مشروع، ولكن الهدَف الأسْمَى هو الترابُط الاجتماعي وامتداد الحياة؛ قال – تعالى -: ï´؟ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ï´¾ [النحل: 72]، فالهدف مِن الزواج هو إنجابُ البنين والحفَدة، كما مَنَّ الله على البشَر بأنَّه يسَّر لهم الترابط القوي بالمصاهَرة؛ قال – تعالى -: ï´؟ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًاï´¾ [الفرقان: 54]، فإذا صرَفْنا الغريزة الجنسيَّة عن هدفيها الساميين واستجبْنا لنزواتها العارِمة، حطَّمتْ أعصابنا، وقضَتْ على كلِّ مقوِّماتنا.
ومِن هنا جاء الصيامُ لترويض هذه الغريزة، والسيطرة عليها، والسمو بها؛ لتحقيق خيرِ الأفراد والمجتمعات. فإذا اشتدَّتْ سَورتُها في الشباب، فإنَّ الإسلام يأمرهم بترويضها عن طريق الصيام؛ قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا معشرَ الشباب، مَن استطاع منكم الباءةَ فليتزوَّج؛ فإنَّه أغضُّ للبصر وأحصن للفرْج، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصوم؛ فإنَّه له وِجاء))؛ رواه الشيخان، ومعنى الوجاء إغلاقُ أبواب الشهْوَة وكفها عن الانطلاق.
الكفُّ عن اللغو والآثام: وصَف الله المؤمنين بأنَّهم ï´؟ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ï´¾ [المؤمنون: 3]، وبأنَّهم ï´؟ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ï´¾ [الفرقان: 72]، ووصف الله عبادَه الذين فازوا بالجنة بأنَّهم ï´؟لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ï´¾ [النبأ: 35]، ومعظم الرذائل والشرور ناتجةٌ عن إطلاقِ العِنان للألْسِنة، أو إطلاق العِنان للغرائز، وفي هذا يقول – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن يضمن لي ما بيْن لحييه وما بيْن رِجليه، أضْمَن له الجنة))، وللكلام شهوةٌ كما للغرائز شهوة، وكثيرٌ مِن الناس تدفعهم ألسنتهم إلى النار دفعًا، رَوى الشيخان عنِ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يَدخُل الجنة نمَّام))، وهو الذي يُطلِق لسانه في الإفساد بيْن الناس بالنميمة. قال عُقبةُ بن نافع: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: ((أمْسِكْ عليك لسانَك)). وقال معاذ بن جَبل: يا رسولَ الله، أنُؤاخَذ بما نقول؟ فقال: ((ثَكِلتْك أمُّك، وهل يكبُّ الناسَ في النار على مناخرِهم إلا حصائدُ ألسنتهم؟))، وقال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الرَّجلَ لَيتكلَّمُ بالكلمة لا يرَى بها بأسًا، يَهوي بها سبعين خريفًا في النَّار)).
وقال صحابيٌّ للنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: إنَّ فلانة تُكثِر مِن الصدقة والصلاة والصيام غير أنَّها تُؤذي جيرانَها بلسانها، فقال – عليه الصلاة والسلام -: ((هي في النار)). ولهذا لا يتمُّ الصيام إلا بصونِ اللِّسان، والكفِّ عنِ اللغو والآثام، وإلى هذا نبهَنا الحديث الشريف: ((مَن لم يدَعْ قول الزور والعملَ به، فليس لله حاجةٌ في أن يدَع طعامَه وشرابَه))، وحسْب المؤمن أنَّ يعلم أنَّ عليه من الله رقيبًا في كلِّ ما ينطق به مِن أقوال؛ قال – تعالى -: ï´؟ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ï´¾ [ق: 18]. السُّمو الوجداني: إنَّ الصيام يهذِّب النفوس، ويَسْمو بالعواطف الوجدانية، فهو يُشعِر الأغنياء بما يُقاسيه الفقراء مِن الحرمان.
والصيام يتمُّ بأداء زكاة الفِطر، وهي فرْضٌ على جميع الصائمين مِن أغنياء وفقراء، وهنا يشعُر الفقير بأنَّه يأخُذ ويُعطي، وهذا يصهَر المجتمع في وحدةٍ متكاملة كالجسَد الواحِد أو البنيان المرصوص.
الصبر في احتمال الأزمات: إنَّ الحياةَ قاسيةٌ لا ترحم، عنيفة لا تهدأ، وهي قائمةٌ على الكفاح والنضال واقتحام العقَبات، في صِراع مرير بيْن القُوى العاتية، ولا بقاءَ فيها إلا للأصلح؛ ï´؟ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِï´¾ [الرعد: 17]، والأقوى في هذا المعترَك هو الذي يملك زمامَ نفْسه، وينظِّم طاقاته النفسيَّة، ومواهبَه العقليَّة التي هي سلاحُه في معترَك الحياة، وبهذا يستطيع أن يتلقَّى الصدمات بالصبر، وأن يخوضَ المعارك محتملاً مشقَّاتها في صبر وجلَد حتى يفوزَ بالنصر. ويصمد حتى تلوحَ أمامه الفرصةُ للانقضاض.
ولا يُعلِّم الصبرَ شيءٌ مثل الصيام، وقال – عليه الصلاة والسلام -: ((الصِّيام جُنَّة)) – الجُنة الوقاية – وهو حصنٌ مِن حصون المؤمِن. وخير نِعمة يُنعِم الله بها على عبادِه أن يلهمهم الصبرَ في اجتياز الأزمات واحتمال المشقَّات.
روى الشيخانِ عنِ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – مِن حديث: ((ومَن يتصبَّر يُصبِّره الله، وما أُعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوْسَع مِن الصبر)). والمؤمِن دائِم الثِّقة بربه، وهو يعلم عِلم اليقين: ((أنَّ ما أصابَه لم يكُن ليخطئه، وأنَّ ما أخطأه لم يكُن ليصيبَه))؛ رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. كما يعلم أنَّ لكل شدَّة نهايةً: ï´؟ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًاï´¾ [الشرح: 5 – 6]، وهو مؤمِن بقولِ الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – مِن حديث طويل رواه الترمذيُّ وحسَّنه -: ((إنَّ عِظم البلاء مع عِظم الجزاء، وإنَّ الله تعالى إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمَن رضِي فله الرِّضا، ومَن سخِط فله السخط)).
والتَّطبيق العمَلي للصبر هو الصِّيام؛ لأنَّه صبرٌ على أداء الطاعات، واحتمال المشقَّات، وسيطَرة على النزوات والشهوات، وهو تدريبٌ واقعي يكفُّ النفس عمَّا ألفِتْه من عادات، وما تعلَّقت به من طيبات.
وهو مع هذا يُقوِّي العزمات، ويعوِّد الأمانات المطلَقة، التي هي أساسُ كلِّ عقيدة، ودعامة كل عمَل صالِح؛ فإنَّ الصائِم يخلو بنفْسه وقدِ استبدَّ به الجوع، وأرْهقه الظمأ، وبيْن يديه أشْهى الطعام، وألذُّ الشراب، ولا رقيبَ عليه إلا الله، فلا تمتدُّ يده إلى طعام أو شراب؛ وإنما يظل صابرًا راضيًا مطمئنًّا، حتى يحين موعد الإفطار، هذه الأمانة المطلَقة هي أساس الإيمان، وعلينا أن نتدبَّر قولَ الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له))؛ رواه أحمدُ وابن حبَّان.
والصائم إذا أحْسن الصيام ظلَّ على صِلة وثيقة بربِّه تورثه السكينةَ والاطمئنان حتى يفوزَ بالرِّضوان، وحسبُنا قول الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كل عملِ ابن آدَم يُضاعَف، الحَسَنة بعشرِ أمثالها إلى سبعمائة ضِعْف إلى ما شاء الله، قال الله – عزَّ وجلَّ -: إلا الصوم؛ فإنَّه لي، وأنا أجْزي به؛ يدَعُ شهوته وطعامه مِن أجْلي، للصائم فرحتان: فرحة عندَ فِطره، وفرحة عندَ لِقاء ربه))؛رواه مسلم والنَّسائي وأحمد وابن ماجه. إنَّ الانتصار على الأعداء سهلٌ لِمَن أحْسَن الاستعداد والتخطيط والتدريب، أمَّا الانتصار على شهواتِ النَّفْس، فهو أبلغُ الانتصار، ولا يفوز به إلاَّ الأبطال، ولن تحلَّ الهزيمة بشخصٍ استطاع أن ينتصر على نفْسه وما تفور به مِن نزوات ونزغات.
نعيش هذه الرحلة الطيبة مع أسرار جديدة لعبادة رائعة هي الصيام، وما كشفه العلماء وفق آخر الأبحاث والدراسات،
عندما يصل المرض إلى مرحلة اليأس أو الاستعصاء على الأطباء فإن أفضل وسيلة هي اللجوء إلى الدواء المجاني المضمون،وهو الصوم! فقد وجد الباحثون في أسرار الشفاء حقائق جديدة تكشف فوائد الصوم اللامحدودة، وخصصوا المشافي المتطورة التي تعالج بنظام دوائي يعتمد الصوم أساساً للشفاء الناجع. وسوف نوجز أهم النتائج التي وصل إليها الأطباء والمتخصصون حديثاً في نقاط محددة:
1- فقد أظهرت الأبحاث الميدانية التي أجريت على أعداد كبيرة من المرضى أن الصوم يعالج السرطان ويوقف نمو الخلايا السرطانية ويثبط العوامل التي تحدث خلالاً في نظام عمل الخلايا. ولذلك ينصح الأطباء بضرورة الصيام كعلاج وقائي لمنع تحول الخلايا السليمة إلى خلايا مسرطنة. وقد لوحظ أن نسبة الإصابة بالسرطان بين الصائمين ولاسيما الصيام على الطريقة الإسلامية أقل بكثير ممن سواهم، فسبحان الله!
2- مع تطور التكنولوجيا وما تحمله من تلوث بالسموم وتلوث ضوئي وتلوث صوتي بسبب الضجيج والإضاءة الزائدة في الليل .. فإن العلماء اكتشفوا سراً جديداً لطرد السموم من الجسم من دون آثار جانبية، فقط بممارسة الصوم لأيام متعددة! فالجراحون يعجزون عن إزالة السموم المتراكمة في كل خلية من خلايا الجسم (لأن الجسم يحوي آلاف الملايين من الخلايا بل أكثر)، وهنا يأتي الصيام ليقوم بمهمة تنظيف الخلايا بشكل آمن وسليم ودون أضرار، وها سر من أسرار الصوم.
3- من منا لا يعاني من هموم تتراكم في هذا العصر بسبب المشاكل المادية والنفسية والاجتماعية ومشاكل أفرزتها العولمة وتأثير الفضائيات والحروب وغيرها؟ إن المشاكل النفسية فقط تكلف الاقتصاد الأمريكي مليارات الدولارات سنوياً دون فائدة أو علاج! وسبحان الله، يؤكد العلماء وبمختلف اختصاصاتهم النفسية والتربوية والاجتماعية أن للصوم تأثير مذهل في تأمين الاستقرار النفسي وعلاج كثير من المشاكل الاجتماعية والأسرية!
4- مرض العصر حالياً هو البدانة أو الوزن الزائد والذي يؤدي إلى أمراض خطيرة مثل أمراض القلب وضغط الدم والسكري والكولسترول وأمراض العمود الفقري، وهذه الأمراض أو بعضها يعاني منها أكثر من نصف المجتمع!!! وعلى الرغم من تطور وسائل العلاج إلا أن الأطباء يؤكدون وبشدة أو الصوم هو العلاج الوحيد الناجع لجميع هذه الأمراض… فسبحان الله!
5- الصوم علاج فعال لكثير من العادات السيئة التي تفتك بالمجتمع، مثل التدخين والمخدرات وتعاطي الكحول وكثرة النظر إلى المحرمات… وسبحان الله، لا نعجب إذا علمنا أن الأطباء من غير المسلمين يؤكدون أن الطريقة المثالية للتخلص من هذه العادات السيئة هو الصوم!
6- يعاني كثير من الشباب في عصرنا هذا من عدم القدرة على الزواج بسبب تعقيدات المجتمع وعدم تطبيق المبادئ الإسلامية التي تقضي بتيسير أمر الزواج، ولذلك يعاني الباب من ضغوط عاطفية قد تقودهم للفاحشة. ويؤكد المختصون أن تقليل الطعام والشراب (ويفضل الصيام) لأن الجوع والعطش يصرف تفكير الشاب عن الأشياء المحرمة ويقلل من إفراز الهرمونات المسؤولة عن ذلك فيشعر الصائم بسعادة وراحة نفسية لا توصف!
7- هناك اكتشاف علمي جديد ومؤكد حيث أثبت العلماء أن الصيام يطيل عمر الخلايا ويرفع من النظام المناعي وبالتالي فالصائمون يعيشون معدلات عمر أعلى من غيرهم! وهذا من عجائب الصوم وأسراره التي تدعو المؤمن لتذوق حلاوة الصيام ولاسيما في شهر رمضان المبارك. إن رفع مستويات الطاقة الفعالة لدى الصائم نتيجة الامتناع عن الطعام والشراب، وزيادة قدرة الخلايا المناعية على أداء عملها وتنشيط النظام المناعي… يعني أمراً مهماً وهو قدرة جسد الصائم على علاج كافة الأمراض بلا استثناء، فسبحان الله!
وأخيراً … مهما بحثنا في أسرار الصوم لا ننتهي… ومهما عددنا فوائد الصيام لا نحصيها، ومهما درسنا منافع هذه العبادة والخير الكثير الذي يأتي بسببها لا يمكن أن نعددها… ولكن البيان الإلهي يلخص لنا كل هذه الفوائد بكلمات بليغة ورائعة يقول فيها تبارك وتعالى مخاطباً البشر جميعاً: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 184].
نسأل الله تعالى أن يعيننا على الصيام والقيام ليس في رمضان فقط بل طيلة أشهر السنة، كما نتمنى من قرائنا نشر هذا البحث المجاني لأحبتكم في الله عسى الله أن يتقبل من الجميع، إنه سميع مجيب… وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
فضائل الصيام وأسراره، وخصائص رمضان
أخواني القاراء الكرام:
إنَّ فضائل العبادة وأسرارَها ميدانٌ قد تحار فيه الألبابُ، ويذهب الوجدان فيه كلَّ مذهب؛ لذا كان لا بدَّ لِمَن أراد ولوجَ باب المعرفة في ذلك أن يتلمَّسَ ما صحَّت به نصوصُ الشريعة.
فأقول – والله المستعان -:
إنَّ فضائل الصيام وأسرارَه تكاد – بحمد الله – ألاَّ تنحصر، فمِن ذلك أنَّ:
1- الصيام ركنٌ عظيم من أركان هذا الدِّين الحنيف، فلا يستقيمُ بناءُ الإسلام إلاَّ به، ولا يثبت إيمانُ امرئٍ حتى يُقِرَّ بفرضيته. قال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بُنِي الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أن لا إله إلاَّ اللهُ، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، وإقامِ الصلاة، وإيتاءِ الزكاة، وحجِّ البيت، وصومِ رمضان))[1].
2- الصيام في رمضان وقيام ليلة – وبخاصَّة ليلة القدر – إيمانًا واحتسابًا، دالٌّ على صِدْق إيمان فاعلِه، وإخلاصِه في عمله؛ لذا فهو مبشَّر بمغفرةِ عموم سابق ذنبِه. قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))[2]. وقال – عليه الصلاة والسلام -: ((مَن قام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه))[3]. ويقول الصادق المصدوق – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن يَقُم ليلةَ القَدْر إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه))[4].
3- الصيام لا يعدِل أجرَه أجرُ شيءٍ من عَمَلِ ابن آدم، ففيه استكنَّ سرُّ الإخلاص، فبزَّ أجرُه بذلك جميعَ الأعمال؛ قال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّ عمل ابن آدمَ يُضاعف، الحسنةُ عشرُ أمثالِها إلى سبعمائة ضِعْف؛ قال الله – عزَّ وجلَّ -: إلاَّ الصومَ فإنَّه لي، وأنا أجْزي به، يَدَع شهوتَه وطعامَه مِن أجلي)) [5].
4- الصيام وقايةٌ لنفس الصائم من اتِّباع الهوى في الدنيا، ومِن عذاب الله في الآخرة، وحِصْن حَصِين للصائم من مكايدِ الشيطان الرجيم؛ قال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الصَّوْمُ جُنَّةٌ))[6].
5- الصيام قاطعٌ مُؤقَّت لشهوةِ النكاح، وسبب للعِفَّة والطهارة؛ قال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – موصيًا شباب أُمَّتِه، وأكرِمْ به مِن موصٍ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا معشرَ الشباب، مَن استطاع منكم الباءةَ فلْيتزوجْ؛ فإنَّه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفَرْج، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصَّوْم؛ فإنه له وِجاءٌ)) [7]، و((الباءة)): القدرة على مؤنة النكاح، و((وِجاء))؛ أي: قاطع للشهوة.
6- الصيام مُهذِّب لنفْسِ الصائم، ممسكٌ عليه لسانَه وجوارَحه عن قوْل زُور، أو عمل به، مصبِّرٌ له على أذى الناس؛ قال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا أصبحَ أحدُكم يومًا صائمًا، فلا يرفثْ ولا يجهل، فإنِ امرؤٌ شاتمه أو قاتله، فليقل: إني صائم، إني صائم))[8]. وقال – عليه الصلاة والسلام -: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قولَ الزُّور والعملَ به، فليس لله حاجةٌ في أن يَدَعَ طعامَه وشرابَه))[9].
7- الصيام فاقَ سائِرَ العبادات، بتحقُّق فضيلة الصبر فيه؛ قال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الصَّوم نِصفُ الصَّبْر))[10].
8- الصيام سبيلٌ لدخول الجَنَّة من باب الريَّان (باب من أبواب الجنة الثمانية)، وهو مُخصَّص للصائمين فقط؛ قال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ في الجَنَّة بابًا يُقال له: الريَّان، يدخل منه الصائمون يومَ القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فإذا دخلوا أُغلِق، فلم يدخلْ منه أحد))[11].
9- خُلوف – أو خُلْفة – فم الصائمِ هي أطيبُ عند الله من ريح المسك؛ قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لَخُلوفُ فمِ الصائم أطيبُ عندَ الله من رِيح المِسْك))[12].
10- للصائم فرحتان؛ قال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وللصائمِ فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفِطْره، وإذا لَقِي ربَّه فَرِح بصومه))[13].
11- الصيام من الأحوال المختصَّة بإجابة الدعاء؛ قال تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 185- 186]. تأمَّل كيف ذكر – سبحانه – إجابةَ الدعاء بعد ذِكْره فريضةَ الصيام؛ وقال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ للصائم عند فِطْره لَدعوةً ما تُرَدُّ))[14].
12- الصيام يدعو المسلِمَ للاقتداء بمزيد جُود النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – في رمضان؛ ((كان النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – أجودَ الناس بالخير، وكان أجودَ ما يكونُ – صلَّى الله عليه وسلَّم – في رمضانَ، حين يلقاه جبريلُ – عليه السَّلام))[15].
13- ومِن فضائل الصيام كذلك أنَّه قد فُرِض في أفضل الشُّهور؛ شهر رمضان المبارك، الذي تكاد فضائلُه لا تُحصى، ولعلَّ من المناسب في هذا المقام ذِكْرَ بعضٍ من خصائص هذا الشهر، لتسموَ الرُّوح بتذكُّرِها، وتتجدَّد ذكرى الحبيب بها.
رمضان: شهر القرآن، ففيه كان ابتداء إنزاله، وقد أُنزِل جملةً واحدة من اللَّوْح المحفوظ إلى بيت العِزَّة من السماء الدنيا في تلك اللَّيْلة، ثم نزل منجَّمًا (مُفرَّقًا) على قلْب النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – في ثلاث وعشرين سنة مدة النبوة[16]، كان ابتداء هذا التنزُّل في ليلة القدْر المباركة؛ قال – تعالى -: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ} [البقرة: 185]. وقال – عزَّ وجلَّ -: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدُخان: 3].
وقال – سبحانه -: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ} [القدر: 1].
رمضان: شهرٌ فُرِض فيه الصيام؛ قال – تعالى -: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]. وقال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – مُخبِرًا الأعرابيَّ عمَّا افترضه الله عليه من الصيام: ((شهر رمضان، إلاَّ أن تطَّوَّع شيئًا))[17].
رمضان: شهر حَوَى ليلةً العبادةُ فيها هي خيرٌ من عبادةٍ في ألف شهر، وهو ما يَزيد عن ثلاث وثمانين سنة؛ (أي: عمر الإنسان جميعه إن لم يزد عليه)، وهي تكون في إحدى ليالي الأيام الوتر (المفرد) من العَشْر الأواخر من رمضان.
قال – تعالى -: {لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]. وقال – عليه الصلاة والسلام -: ((فالْتَمِسوها في العَشْر الأواخر في كلِّ وتر))[18].
رمضان: شهر يُقرَّب فيه أهل البِرِّ والخير، ويُقصى فيه أهل الفجور والشر، وتُغلَّق فيه أبوابُ النيران، وتُشرع فيه أبواب الجِنان، وُيعتق فيه من النار عبادٌ لله، وذلك في كلِّ ليلة. قال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا كان أولُ ليلةٍ من شهر رمضان، صُفِّدت الشياطينُ ومَرَدَةُ الجِنِّ، وغُلِّقت أبوابُ النيران فلم يُفتحْ منها باب، وفُتِّحت أبواب الجنَّة فلم يُغلقْ منها باب، ويُنادي منادٍ: يا باغيَ الخير أَقْبِلْ، ويا باغي الشر أَقْصِر، ولله عتقاءُ من النار، وذلك كلَّ ليلة))[19].
اللهمَّ أكرمْنا بشُهود هذا الشهر العظيم، وأَفِض علينا من بركاته، وافتح لنا أبوابَ رحمتك فيه، وتفضَّل علينا بالتوفيق لصيامه وقيامه إيمانًا واحتسابًا، واختمْ لنا فيه بمغفرةٍ من عندك، ورحمةٍ من لدنك، ومُنَّ علينا بعِتقِ رقابنا من النار في لياليه المباركة، آمين.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] متفق عليه من حديث عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – أخرجه البخاري؛ كتاب الإيمان، باب: {دعاؤكم} إيمانكم، برقم (8)، ومسلم؛ كتاب الإيمان، باب: بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام، برقم (16)، واللفظ المختار لمسلم، وفيه: ((وصيامِ رمضانَ والحجِّ))؛ أي: بتقديم الصيام على الحج.
[2] متفق عليه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أخرجه البخاري؛ كتاب: الإيمان، باب: صوم رمضان احتسابًا من الإيمان، برقم (38)، ومسلم؛ كتاب: صلاة المسافرين وقَصْرِها، باب: الترغيب في قيام رمضان، برقم (760).
[3] متفق عليه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أخرجه البخاري؛ كتاب: الإيمان، باب: تطوُّع قيام رمضان من الإيمان، برقم (37)، ومسلم؛ كتاب صلاة المسافرين وقَصْرِها، باب: الترغيب في قيام رمضان، برقم (759).
[4] متفق عليه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أخرجه البخاري؛ كتاب الإيمان، باب: قيام ليلة القدر من الإيمان، برقم (35)، ومسلم؛ كتاب: صلاة المسافرين وقَصْرِها، باب: الترغيب في قيام رمضان، برقم (760).
[5] تقدَّم تخريجه بالهامش ذي الرقم (1).
[6] جزء من الحديث عينه الذي تقدَّم تخريجه بالهامش ذي الرقم (1).
[7] متفق عليه من حديث عبدالله بن مسعودِ – رضي الله عنهما – أخرجه البخاري؛ كتاب الصوم، باب: الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة، برقم (1905)، ومسلم؛ كتاب: النكاح، باب: استحباب النكاح لِمَن تاقت نفسه إليه، برقم (1400)، واللفظ لمسلم – رحمه الله.
[8] متفق عليه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أخرجه البخاري؛ كتاب الصوم، باب: فضل الصوم، برقم (1894)، ومسلم؛ كتاب الصيام، باب: حفظ اللسان للصائم، برقم (1151)، واللفظ لمسلم – رحمه الله.
[9] أخرجه البخاري؛ كتاب الصوم، باب: مَن لم يدعْ قول الزور والعملَ به في الصوم، برقم (1903)، عن أبي هريرة – رضي الله عنه.
[10] جزء من حديث أخرجه الترمذي – وانفرد بتحسينه – في كتاب الدعوات، بابٌ فيه حديثان: التسبيح نصف الميزان…، برقم (3519)، عن رجل من بني سُلَيم، كما أخرجه ابن ماجَهْ مرسلاً عن محرز ابن سلمة، كتاب: الصيام، باب: في الصوم زكاة الجسد، برقم (1745)، وإسناد الحديث برواية ابن ماجه ضعيف؛ لأنَّ فيه موسى بن عبيدة الرَّبَذيَّ، وهو متفق على تضعيفه، والله أعلم.
[11] متفق عليه من حديث سهل بن سعد الساعدي – رضي الله عنه -: أخرجه البخاري؛ كتاب الصوم، باب: الريَّان للصائمين، برقم (1896)، ومسلم؛ كتاب الصيام، باب: فضل الصيام، برقم (1152)، واللفظ للبخاري – رحمه الله.
[12] جزء من حديث تقدَّم تخريجه بالهامش ذي الرقم (1)، و((لَخُلُوفُ)) أو ((الَخُلْفَةُ)) – كما عند مسلم – هي: تغيُّر رائحة فم الصائم، وبخاصَّة بعد الزوال.
[13] جزء من الحديث عينه الذي سبق تخريجه بالهامش ذي الرقم (1).
[14] أخرجه ابن ماجَه؛ كتاب: الصيام، باب: في الصائم لا تُرَدُّ دعوتُه، برقم (1753)، عن عبدالله بن عمرو – رضي الله عنهما- قال البوصيري في ((الزوائد)): هذا إسناد صحيحٌ، رجاله ثقات.
[15] جزء من حديث متفق عليه من حديث عبدالله بن عباس – رضي الله عنما -: أخرجه البخاري بلفظه، كتاب: الصوم، باب: أجود ما كان النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – يكون في رمضان، برقم (1902)، ومسلم؛ كتاب الفضائل، باب: كان النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – أجودَ الناس بالخير من الرِيح المرسَلة، برقم (2308).
[16] القول بالتنزُّلات الثلاثة للقرآن الكريم، يُنسب إلى ابن عباس – رضي الله عنهما – موقوفًا عليه؛ انظر: تفسير ابن كثير (ص1858)، ط – بيت الأفكار.
ولا يَخفَى أنَّ الموقوف هنا له حُكم الرَّفْع؛ لكونه مرويًّا عن عَلَم من أعلام الصحابة – رضي الله عنهم – كما أنَّ المرويَّ هنا لا مجال للرأي والاجتهاد فيه.
[17] جزء من حديث متفق عليه من حديث طلحة بن عبيدالله – رضي الله عنه -: أخرجه البخاري؛ كتاب الصوم، باب: وجوب صوم رمضان، برقم (1891)، ومسلم – باختلاف – كتاب: الإيمان، باب: بيان الصلوات، برقم (11).
[18] جزء من حديث متفق عليه من حديث أبي سعيد الخُدرِيِّ – رضي الله عنه -: أخرجه البخاري؛ كتاب: الأذان، باب السجود على الأنف، والسجود على الطين، برقم (813)، ومسلم؛ كتاب الصيام، باب: فضل ليلة القدر، برقم (1167).
[19] أخرجه الترمذي؛ كتاب: أبواب الصوم، باب: ما جاء في فضل شهر رمضان، برقم (682)، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلاَّ من حديث أبي بكر بن عياش. اهـ، ثم ذكره – رحمه الله – مُصحِّحًا له – مرسَلاً عن مجاهد، رحمه الله.
هل وعى المسلمون قيمة هذا الشهر الفضيل، وعلموا أنه شهر التقوى والعمل الصالح الجليل؟ هل تأثر الناس بالصيام والقيام وتلاوة القرآن؟ هل تأثروا بالبر والإحسان وإفطار الصائمين؟ هل تطهرت القلوب من صدأ الران والذنوب وأصبحت مليئة بالإيمان؟إن رمضان شهر يتحصل الناس فيه على التقوى، فالتقوى هي خير زاد؛ {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه : 132]، فمن لم يتزود فيه من التقوى، فلا زاد له عند لقاء الله – تعالى – : {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة : 183]، فهل وجدنا أثر التقوى مع هذا الشهر الكريم؟ أيها الصائمون والصائمات: إن صيام رمضان له ثمرات كثيرة، وآثار عظيمة جليلة، ومن ذلك:
أولاً: أن الصيام من أقوى الأسباب لتقوية عامل التقوى في القلوب، وكفِّ الجوارح عن المحرَّمات، يؤكد هذا قوله – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة : 183]، فالصيام قد شرع؛ لتحصيل التقوى وهي كلمة جامعة لكل خصال الخير، ومؤداها أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، فمن لم يجد أثر التقوى، فليراجع نفسه.
ثانيًا: أن الصيام يعوّد المسلم على الصبر والتحمل والجلد؛ لأنه يحمله على ترك محبوباته وشهواته، ومعلوم أن كبح جماح النفس فيه مشقة عظيمة، ولهذا كان الصوم من أقوى العوامل على تحصيل أنواع الصبر الثلاثة، وهي صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله وصبر على أقدار الله، ومتى اجتمعت أدخلت العبد الجنة بإذن الله؛ قال – تعالى -: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر : 10].
ثالثًا: أن الصيام يساعد المسلم على التغلُّب على نفسه الأمَّارة بالسوء؛ فهي دائمًا تدعوه لانتهاك المحرَّمات، والإقبال على الشهوات، لكن الصوم يفوت عليها الفرصة؛ إذ يكسر حدة الشهوة، فيضعف سلطانها، فهل وعى ضعفاء النفوس ممن لا هَمَّ لهم إلا الشهوات أن ينظروا: هل أثَّر الصيام فيهم أو لا؟ وهل كان رادعًا لهم عن الوقوع في المعاصي أو لا؟
رابعًا:أن الصيام يضعف مجاري الشيطان، وبالتالي يضعف تسلطه على المسلم، ويبحث عن مركب سهل يحقق من خلاله أهدافه ومآربه، ومتى أطلق المسلم لشهواته العنان، تمكن الشيطان منه وأخذ بيده لما يريد به من الضلال والحرمان من الخير.
خامسًا: أن الصيام يعرف العبد نعمة ربِّه عليه؛ فمتى أحس بالجوع والعطش، عرف قدر النعمة التي يتقلب فيها طول العام، فزاد شكره لربِّه، وأكثر من بذله وإحسانه؛ إرضاءً لخالقه.
سادسًا:أن الصيام يعين المسلم على الإحسان للفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات؛ فالصائم إذا جاع أحس بحاجة الجائعين، وإذا عطش أحس بالظامئين، فيحفزه ذلك على الإحسان إليهم والشفقة عليهم، والسعي في سد جُوْعهم وظمأهم، فتجده مبادرًا إلى سد جوعتهم، وقضاء حاجتهم، وإدخال السرور والفرح عليهم.
سابعًا: أن الصيام مظهر من مظاهر اجتماع الأمة ووحدتها، وعنوان من عناوين تكافلها وترابطها، إمساك في وقت واحد وإفطار في وقت واحد، لا فرق بين أمير ومأمور، ولا صغير وكبير، ولا شريف ووضيع، وكم بهر مظهر الإفطار الجماعي عقولاً وحيَّر ألبابًا، فأذعنت وانقادت، واهتدت بنور الله – تعالى – ولا سيَّما وأنت تدير طرفك في حرم الله الآمن، وترى الجموع الغفيرة تفطر في ثانية واحدة، فلله كم في هذا المظهر من دلالة على عظمة هذا الدين.
ثامنًا:أن الصيام يعين على الطاعة، ويقرِّب من الله؛ فكلما عمل المسلم طاعة، حفزته لطاعة أخرى، وهذا أحد أمارات قبول العمل، فالناظر إلى من يختم القرآن في رمضان، كلما انتهى من ختمة بادر إلى ختمة أخرى، وهكذا الذين يصلون التراويح عندما يتلذذون بالقيام، يبادرون إلى الاستزادة من ذلك، فيزيدون في القيام في بيوتهم؛ محبة لله وشوقًا للقائه، ومؤانسة بقربه ومناجاته، والذين ينفقون أموالهم في إفطار الصائمين، وغير ذلك من أبواب الخير، يجدون سعادة ولذة في ذلك، فيكثرون من الإنفاق؛ طلبًا لمرضاة رب الأرض والسماوات، وهكذا في سائر الطاعات والقربات.
تاسعًا: أن الصيام يرقق القلب، ويجعله يتعلق بالله، ويديم ذكره وشكره، وكم رأينا من يبكي عند سماعه القرآن؛ لمعرفته أنه من حبيبه ومولاه، والذي يبكي عند إفطاره لشعوره بنعمة الله عليه من أصناف الطعام والشراب، ويتذكر قول الله – تعالى-: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل : 53]، والذي يبكي عند توزيع صدقته على الفقراء والمساكين لشعوره بنعمة الغنى وفرحه بقول ربِّه: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة : 261]، والذي يبكي عند دعاءه لعلمه بقربه مِن خالقه ومولاه، ويتذكر قول ربِّه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة : 186]. ويكفي فرحًا لمن بكى من أجل ربِّه ومولاه قولُ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((عينان لا تمسهما النار؛ عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله))؛ رواه الترمذي، وصححه الألباني في جامع الترمذي. فيا فرحة من بكى من خشية ربه ومحبته ومناجاته، ويا خسارة من حُرِم البكاء من خشية ربِّه.
عاشرًا: وفي الصيام صحة عظيمة بجميع معانيها؛ صحة بدنية حسية لقلة الطعام والشراب، وصحة روحية معنوية لضعف تسلط الشيطان، والزيادة في الإيمان. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة : 183]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
قال جل ثناؤه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة : 183-185]
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ؛ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ))؛ متفق عليه.
الإمساك والكف عن الشيء. يقول ابن فارس في “مقاييس اللغة”: “الصاد والواو والميم، أصل يدل على إمساك وركود في المكان، من ذلك صوم الصائم، هو إمساك عن مطعمه ومشربه وسائر ما منعه”. وفي “القاموس المحيط” للفيروز أبادي: “صام صومًا وصيامًا واصطام: أمسك عن الطعام والشراب والكلام والنكاح والسير”. وفي “لسان العرب” لابن منظور: “الصوم في اللغة: الإمساك عن الشيء والترك له، وقيل للصائم صائم؛ لإمساكه عن الطعام” وفي “أساس البلاغة” للزمخشري: “صام صمت صامت الريح ركدت”.
هو الإمساك عن شهوتي الفم والفرج، وما يقوم مقامهما، مخالفةً للهوى، في طاعة المولى، في جميع أجزاء النهار، بنية قبل الفجر أو ما معه إن أمكن فيما عدا زمن الحيض والنفاس. والتعريف السابق للمالكية، وقال الحنابلة: الصيام هو الإمساك عن المفطِّرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وقال الشافعية: هو إمساك عن مفطِّر على وجه مخصوص. وقال الأحناف: إنه الإمساك عن أشياء مخصوصة، وهي الأكل والشرب والجماع، بشرائط مخصوصة. وأوفى تعريف هو تعريف المالكية.
العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي:
العلاقة بينهما هي أن في كل منهما إمساكًا، فالصوم في المعنى الشرعي إمساك عن الأكل والشرب والجماع وما في معناها، ويتميز عن الإمساك اللغوي بأنه لا بد أن يكون طاعة لله تعالى، وأن يكون المُمسِك صالحًا للصوم، والزمن صالحًا لأن يُصام فيه.
وأما الصوم في اللغة فهو – كما تقدم – الإمساك مطلقًا عن الأكل والشرب والحركة والكلام، ومنه قوله تعالى إخبارًا عن مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَوْمَ إِنسِيًا} [ مريم: 26] أي إمساكًا عن الكلام.
عقَّب الله تعالى بالغاية من الصيام بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] أي تتخذون من الصيام وقاية تحول بينكم وبين الميول المرذولة والمنكرات. إن أمر الصيام موكول إلى نفس الصائم، لا رقيب عليه إلا الله – جلت قدرته – فإذا ترك الصائم شهواته، التي تعرض له أثناء الصوم امتثالاً لأمر الله تعالى، ورَاضَ نفسَه على الصبر كلما أغرتها الشهوات شعورًا منه بأن الله – تبارك وتعالى – يراقبه، وأنه مطلع على سر نفسه، وتكرر منه ذلك شهرًا كاملاً، فلا جرم أن يحصل له من تكرار هذه الملاحظة المصاحبة للعمل ملكةُ مراقبة الله تعالى وخشيته، والحياء من الله أن يراه حيث نهاه.
إن التقوى: حساسية في الضمير، وصفاء في الشعور، وشفافية في النفس، ومراقبة دائمة لله تعالى. والمؤمنون الذين خاطبهم الله تعالى في القرآن الكريم يعلمون مكان التقوى عند الله، ووزنها في ميزانه، وقوة تأثيرها، وحسن نتائجها في أعمالهم السياسية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مما يحصلون به على السعادة الصحية، والحياة الطيبة في الدارين، فهي غاية تتطلع إليها أرواحهم فتندفع إليها بقوة.
وهذا الصوم أكبر حافز لتحصيلها، وخير أداة من أدواتها، وأحسن طريق موصل إليها، ومن ثم يرفعها سياق القرآن الكريم في ختام الآية لفرضية الصيام أمام عيونهم وقلوبهم هدفًا وضَّاء ينهجون إليه عن طريق الصيام.
لا توجد عبارة من عبارات الإسلام تشحذ الإرادة وتقويها كالصوم؛ لأن الصائم لا تفتأ نفسه الأمارة تزين له الشهوة وتغريه بالملذات، فيحتاج في قهرها وإلزامها سبيل الطاعة إلى إرادته كسلاح حاسم بتار، وما أشبه الصائم بجندي في معركة، سلاحه فيها إرادته المصممة، ويوم يضعف هذا السلاح؛ ينهزم الصائم في معركة الصوم، وما يزال الصائم يستخدم إرادته في قهر نفسه؛ حتى تصبح بالممارسة العملية سلاحًا بتارًا قويًّا يستصحبه في غير رمضان من شهور العام.
لقد وضع الأستاذ الألماني جيهاردت كتابًا في تقوية الإرادة، جعل أساسه الصوم، وذهب فيه إلى أنه هو الوسيلة الفعالة لتحقيق سلطان الروح على الجسد؛ فيعيش الإنسان مالكًا زمامَ نفسه لا أسير ميوله المادية. إن وظيفة الإرادة تكبح جماح الغريزة، وتخفف غلواء الحيوان الذي يعيش في عروق الإنسان، فيثير شهواته وعواطفه، كما الضابط يقبض المعسكر فيمنع توتره وفضوله.
وممارسة الصوم في شهر رمضان، لإبراز استقلال الإرادة، تمرن الصائم على اعتياد التحرر والانعتاق، من أحابيل الغريزة ومكايدها، وترهف عزيمته وتشحذ مواهبه، وتستخرج ركائزه الدفينة؛ ليودعها مصرف روحانيته ليجدد عنها – عند الشدائد – مدد الثبات والعزم والخشونة والجَلَد، حتى ينقلب الصائم بطلاً تنفجر أعصابه إيمانًا ومضاء؛ فلا يذل ولا يخشع ولا يستكين، وإنما يبقى كالجندي المعبأ، يتحفز أبدًا للدفاع والوثوب.
وهكذا مدرسة الصوم تربي في الصائم إرادة قوية فولاذية لا تفل ولا تكسر، ولَكَمْ خاض بها المسلمون معارك ضارية، فما لانت لهم قناة، ولا زلت لهم نفس، ولا وهنت لهم عزيمة، وإنما خرجوا من هذه المحن كما تخرج قطعة الذهب إذا وضعت في النار لا تزداد إلا تألقًا وصفاء، فكانت الانتصارات، يوم الفرقان يوم السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة يوم بدر، يوم ارتفعت راية الإيمان والنصر خفاقةً تؤذن بكلمة التوحيد وانتصار الإسلام.
ويوم فتح مكة المكرمة يوم الحادي والعشرين من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة صارت مكة دار سلام بعد أن كانت معقل الشرك والمشركين. يوم أن دخل الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – مكةَ، وهو يتلو قوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:81]. ويوم فتح ثغور الأندلس أسبانيا على يد موسى بن نصير في السنة الحادية والتسعين من الهجرة، وانهزام الملك رودريك، وانتهاء السيطرة على أقطار أسبانيا، بقيادة طارق بن زياد. فالصوم حافز للجهاد، ودافع من دوافع النصر والاستشهاد.
الصوم من أعظم البواعث على إيقاظ الروح، وتنقيتها من الشوائب والأوضار، ذلك أن امتلاء المعدة بالطعام، وانبعاث النفس مع الشهوة يوبق الروح، ويطمس أنوارها، ويحجب أشواقها وأسرارها. ومن وصايا لقمان لابنه:”يا بني إذا ملأت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة.” وقال أبو حامد الغزالي: “في جوع الإنسان صفاء القلب، وإيقاد القريحة؛ لأن الشبع يورث البلادة ويعمي القلب.”
إن قولة الأستاذ مصطفى صادق الرافعي: “إن الصيام وقاية للإنسان من المعاصي، ووقاية للنفس من الشر والإثم، ومدرسة يتعليم فيها الصائم سمو الروح، ولذة المناجاة، وصفاء النفس، فلا عجب أن يسمى مدرسة الثلاثين يومًا.”
إن الجوارح كلها لا بد أن تصوم، وتشارك المعدة والفرج، حتى يكتمل الصوم، فيصوم اللسان من الكذب، والغيبة والنميمية، والقذف، وشهادة الزور، وتصوم العين عن الامتداد للمحرمات، ويصوم القلب عن الحقد والحسد والرياء، وتصوم اليد عن غير المباح كالقتل والضرب والسرقة، وتصوم القدم عن السعي إلى المنكر والضلال، ويصوم الفكر عن التسولات الفاجرة والشبهات، وهكذا تتهذب النفس والحواس، ومتى تهذبت الشخصية الإنسانية، كان هناك المجتمع السعيد.
من حِكَم الصيام أنه يُذكِّر الإنسان بنعمة الله تبارك وتعالى، فالإنسان إذا تكاثرت عليه النِّعَم ألِفَها وطال أنسه بها، وربما نسي الشعور بقيمتها والإحساس بأهميتها، من طول تعوده على وجودها. والنِّعَم لا تعرف إلا بفقدانها، فالصحة لا تعرف قيمتها إلا عند المرض، والمال لا تدرك قيمته إلا عند الفقر، والشبع لا تدرك أهميته إلا عند الجوع. والصوم مرتبة بدائية من المواعظ العملية، حيث يسلب الله تعالى به من العباد بعضَ نعمه في أوقات محدودة، ولا يسلبهم الاختيار حتى يصابوا بالذل، وإنما يسلبهم مؤقتًا باختيارهم بعضَ نعمه، لكي يتذوقوا ألم الحرمان، فيعرفوا نعمة الله تعالى، ويشكروه، عندما يحل لهم الطيبات.
ومتى تكرر هذا الحرمان أيامًا متتالية كل عام، تركز الشكر في نفوسهم، فلزموه على كل حال، فأصبحوا شاكرين. إننا مدعوون إلى مد العون لإخواننا الجياع، الذين يطوون أيامًا وليالي لا يجدون ما يسد جوعهم في أفغانستان و أفريقيا؛ شكرًا لله على نعمه واعترافًا بفضله.
الصوم يريح جميع الأجهزة داخل الجسم، والأنسجة، والخلايا، والغدد من الإنهماك في العمل المتواصل. والصوم يقي المسلم البدانةَ وأخطارها، فإذا صام المرء واتبع آداب دينه في طعامه وشرابه، ومارس عمله بصورة عادية، فإن جسمه سيحصل على طاقته الحرارية من كمية الغذاء الأقل عن المعدل اليومي، وبالتالي نجد أنه سيكون في حاجة لمصدر آخر لتزويده بالطاقة الحرارية يأخذها من الدهون المترسبة تحت الجلد وبالعضلات والأنسجة الأخرى، وبذا يكون الصوم صيانة دورية ومانعًا متجددًا من حدوث السمنة.
والصوم وما يؤدي إليه من تقليل الوزن، وتقليل كمية الأملاح بالجسم، وطرد النفايات السامة، من أهم العوامل المساعدة في علاج أمراض المفاصل، وهناك عدة مدارس طبية لعلاج الأمراض المفصلية بالصوم، منها مدرسة دكتور آلان، وكذلك مدرسة دكتور ماك فادون الأمريكي. ويستفيد الكثيرون من مرضى الأمراض الجلدية من الصوم، كمرضى البشرة الدهنية والصدفية وحب الشباب وقشور الرأس، لأن تقليل كمية الغذاء والمواد الدسمة والحريفة، هي التي تساعد على تقليل متاعب هؤلاء المرضى.
هذا وبالله تعالى التوفيق، والحمد لله تعالى على نعمة الإسلام، وتقبل الله تعالى عبادتنا، وأعاننا سبحانه على ذكره وشكره وحسن عبادته. وصلى الله تعالى على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وأمته وسلم تسليمًا كثيرًا.
1 – “مفسدات الصيام وأحكام القضاء والكفارة” رسالة ماجستير عبدالعزيز داود.
2- “مجالس شهر رمضان”، الشيخ محمد بن صالح العثيمين.
3- “رمضان والطب”، الدكتور أحمد عبدالرءوف هاشم.
4- “الطب النبوي والعلم الحديث”، الدكتور محمد ناظم النسيمي.
5- “هكذا نصوم”، توفيق محمد السبع.
6- “المناهل الحسان في دروس رمضان” عبدالعزيز المحمد السلمان.
7- “الصوم”، الشيخ عبدالرحمن الدوسري.
8- “فضائل رمضان وأحكامه”، عبدالله ناصح علوان.
9- “روح الدين الإسلامي”، عفيف عبدالفتاح طبارة.
10- “الصوم فقهه وأسراره”، محيي الدين مستو.
1- الصيام هو الإمساك عن الطعام والشراب والنكاح تقربًا لله تعالى.
2- وقته : من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
3- حكم صوم رمضان واجب وهو الركن الرابع من أركان الإسلام.
4- يجب صيام رمضان على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم.
أ – الإسلام: فلا يجب على كافر حتى يسلم.
ب – والعقل: فلا يجب على مجنون حتى يعقل.
ج – والبلوغ: فلا يجب على صغير حتى يبلغ، لكن يؤمر به الصغير إذا أطاقه ليعتاده.
د – والقدرة على الصوم: فلا يجب على العاجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى شقاؤه، ويطعم عن كل يوم مسكينًا.
إن الصيام عبادة وثيقة الصلة بما يرمي إليه الإسلام من النواحي الاجتماعية البعيدة المدى، وعظم تدبير الحياة، يقول المولى تبارك وتعالى: {وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184]. وإن وجدنا صلة الصيام بتلك الأهداف تأتي من ناحيةٍ لم يألفها الناس، فلا غرابة في هذا مادمنا لا نهدف إلا إلى تعاليم القرآن الكريم نقتدي بهديها، ونتخذها رائدًا لنا في هذا الصدد.
فمن حكمة الصيام قمعُ النفس وتهذيبها بالجوع والظمأ؛ كي تكون أبعد عن الخضوع لهواها، والانقياد لشهواتها، وفي ذلك يقول المصطفي – صلوات الله وسلامة عليه -: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ فَضَيِّقُوا مَجَارِيهِ بِالجُوعِ وَالعَطَشِ)). وفي الصيام ترفع وتسامٍ عن مشتهيات النفس، وتنزه عن الأهواء والنزوات، وهذا من شأن الملائكة المقربين، الذين لا شهوة عندهم ولا غريزة، فالصائم حينئذ شبيه بالملائكة.
والصيام خير معين للإنسان على تقوى المولى تبارك وتعالى، والخشية منه؛ لأن النفس البشرية حين تكف عن الأشياء المباحة؛ خوفًا من الله – جل شأنه -، ورجاء في رحمته، وطمعًا في ثوابه، فإن ذلك سيقودها حتمًا إلى تجنب الحرام، وفي ذلك يقول المولى – عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة : 183].
إننا إذا استطعنا أن نُخضع أنفسنا لسلطان الصيام، فلا نأكل ولا نشرب، أي لا نزاول ما هو طبيعي لنا في كل يوم من الأيام العادية؛ فإننا بذلك نكون أقدر على كبح جماح أنفسنا عمَّا هو ليس مباحًا عادة؛ لأن الصيام يعد أسمى درجات التحكم في النفس، فليس في الحياة ما هو أقوى من الحاجة إلى الطعام والشراب.
فإذا استطعنا أن نقهر هذه الرغبة الطبيعية، كان لنا في ذلك تدريب قوي على التحكم في رغباتنا أيًّا كانت، وبذلك يصبح الصيام عاملاً من أقوى عوامل التربية الخلقية للإنسان، لأن الحياة الكريمة الكاملة لا تتحقق إلا بعد أن يكون الفرد قد صهرته الشدائد، فاحتمل المشاق والمكاره، وثبت أمامها ثبوت الشجاع في المعركة.
ولذلك جاء في الأثر: ((اخْشَوْشِنُوا فَإِنَّ النِّعْمَةَ لاَ تَدُومُ)) وهذا في الأيام العادية، أما في شهر رمضان فنخشوشن في صورة أقوى وأشمل؛ لنهز أنفسنا هِزة توقظنا من سباتنا، وننفض بها عن أنفسنا آثار الترف والانغماس، وإرضاء الرغبات والشهوات، ولنتخذ من رغباتنا التي تعوَّدنا إرضاءها كلما تحركت منها نفوسنا مطيةً ذلولاً نسيطر عليها، بدلاً من أن نخضع نحن لها.
لقد تناول الباحثون العصريون أنواع الصيام، وقسموها إلى أقسام حسب أغراضها العامة والخاصة، من قديم العصور إلى العصر الحديث، وحصروها في خمسة أقسام:
القسم الأول: صيام التطهير:
وهو الذي يكف الصائم عن الإلمام بالخبائث والمحظورات، من شهوات النفوس أو الأجسام.
القسم الثاني: صيام العطف:
وهو صيام الحداد في أوقات الحزن أو المحنة؛ ليشعر الصائم بأنه يذكر أحبابه الذاهبين أو الغائبين، ولا يبيح لنفسه ما حُرِمُوه بفقدان الحياة، أو فقدان النعمة، أو الحرية.
القسم الثالث: صيام التكفير عن الخطايا والذنوب:
وهو صيام تطوع من الصائم؛ ليعاقب نفسه على الذنوب التي ندم على وقوعها منه، واعتزامه التوبة منها، والتماس العذر فيها.
القسم الرابع: صيام الاحتجاج والتنبيه:
وهو صيام المظلومين، وأصحاب القضايا العامة، التي لا تلقى من الناس نصيبها الواجب من الاهتمام أو الإنصاف.
القسم الخامس: صيام الرياضة النفسية أو البدنية:
وهو الذي يتمكن الصائم بواسطته من السيطرة بإرادته على وظائف جسده، تصحيحًا لعزيمته، أو طلبًا للنشاط، واعتدال القامة.
وعند المقابلة بين أنواع الصيام تتضح لنا مزايا الصيام في الإسلام بين جميع هذه الأنواع؛ لأنه وافٍ بالشروط العامة للصيام المفروض بحكم الدين، لرياضة الأخلاق، وهو على ذلك صالح لمقاصد التطهير، العطف، والتوبة، والتكفير، وملتقى أمهات الفضائل، ومن أقوى عوامل التربية الخلقية.
إن في الصيام تدريب على مراقبة المولى تبارك وتعالى، في السر وفي العلانية، وهذا التدريب – للإنسان – يكون أكثر وضوحًا في الصيام منه في سائر العبادات، فهو يغرس في نفس الصائم الصبرَ على طاعة الله – جل شأنه -، ويتعلم قوة الإرادة، وضبط وحكم النفس، التي تسرف في شهواتها طوال العام، ففي كثير من الأحيان يكون الطعام والشراب في متناول الصائم، وبين يديه بعيدًا عن أنظار الناس، ومع ذلك يكف عن تناولهما.
وما يفعل الصائم ذلك إلا خشية من الله – عز وجل -، وعلمه بأنه يراه ويسمعه ومطلع على أفعاله، وعلى سره وجهره، فيزداد إيمانه وخوفه، فلا يخاف غير الله – جل شأنه -، فينال رحمته ورضاه، بفضل تأثير هذه العبادة في نفسه، وهذا ما يفسر قول المولى – تبارك وتعالى – في الحديث القدسي: ((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ؛ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي)).
وقد ذكر الإمام الغزالي في حكمة نسبة الصيام لله – عز وجل – معنيين: أحدهما: أن الصوم كفٌّ وترك، وهو في نفسه سر ليس فيه عمل يُشاهد، وجميع الطاعات بمشهد من الخلق، ومرأى من أعينهم، والصوم لا يراه إلا الله – عز وجل – فإنه في الباطن بالصبر المجرد.
والآخر: أنه قهر لعدو الله – عز وجل -، فإن وسيلة الشيطان – لعنه الله – الشهوات. وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشرب، ولذلك قال – صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ فَضَيِّقُوا مَجَارِيهِ بِالجُوعِ)). فإذا كان الصوم على الخصوص قمعًا للشيطان، وسدَّ مسالكه ، وتضييقًا لمجاريه؛ استحق التخصيص بالنسبة إلى الله عز وجل.
فمن هذه الجوانب وغيرها من مزايا الصيام كانت صلته بأهداف الإسلام العليا في تدبير الحياة، وإن المتأمل في هذه المزايا ليلمح فيها ناحيتين متضادتين:
الأولى: وتتخذ طابعًا ماديًّا، فنرى أن مشتهيات النفس التي يمتنع الصائم عنها، هي من أهم ما تفضل المولى – تبارك وتعالى – به علينا من الآلاء والنِّعَم، وما أجدر الإنسان أن يدرك قيمتها، ويقوم بحق شكرها للخالق المنعِم – جل وعلا -، لأن النعم لا تُدرك قيمتُها إلا بفقدها، فالأعمى هو الذي يحس بجلال نعمة البصر، والمريض هو الذي يدرك عظمة الصحة، والإنسان لا يشعر بلذة الرخاء والرفاهية إلا إذا ذاق مرارة الحرمان والشدة، ولا يتذوق حلاوة النصر إلا مَن صُدم بقسوة الهزيمة.
وهذه هي سنة الحياة وطبيعتها؛ فالأشياء لا تتميز إلا بأضدادها، والصائم لا يعرف قيمة الطعام والشراب إلا عندما يذوق مرارة الجوع، وحرارة العطش، فيدرك نِعَم الله – عز وجل – فيجيء شكره على هذه النِّعَم صادقًا خالصًا من القلب، ولعل ذلك هو الذي جعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يرفض أن تصير بطحاء “مكة” له ذهبًا ويقول: ((لاَ يَا رَبِّ، وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا، وَأَجُوعُ يَوْمًا، فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمَدْتُكَ)).
الثانية: وتتخذ جانبًا روحيًّا معنويًّا، ويتضح هذا الجانب في تشبيه الصائم بالملائكة، لأن الإنسان مكوَّن من روح وجسد، فإذا استجاب الإنسان لغرائزه، وانغمس في شهواته مهملاً الجانب الروحي، كان إلى الحيوان الأعجم أقرب، أما إذا ارتقت نفسه، وعلت روحه، وسما بتصرفاته إلى كل ما يحقق غذاء روحه، بتحكمه في عواطفه، وقهر غرائزه أمام سلطان عقله وروحه، كان إلى الملائكة أقرب.
ونجد – أيضًا – الجانب الروحي في تأدب الصائم بصفة الصمدية، بالإضافة إلى تربية النفس، وكسر شهواتها بالجوع والحرمان.
إن الصيام عبادة تلتقي في هدفها مع أهداف القرآن الكريم، في تربية العقول والأرواح وتنظيم الحياة، ويوحد بين المسلمين في أوقات الفراغ والعمل، وأوقات الطعام والشراب، ويصبغهم جميعًا بصبغة الإنابة والرجوع إلى المولى – تبارك وتعالى -، ويرطب ألسنتهم بالتسبيح والتقديس، ويعفها عن الإيذاء وعن التجريح، ويسد على الناس باب الشر، ويغلق عليهم منافذ التفكير فيه، ويملأ قلوبهم بمحبة الخير والبر لعبادة الله – عز وجل -، وينشئ في قلوبهم خلق الصبر الذي هو عدة الحياة، وهكذا يريد الله – جل شأنه – أن يكون الإنسان.
لقد جعل المولى – تبارك وتعالى – الصيام عنصرًا مهمًّا من عناصر تكفير الذنوب، وذلك لما له من أثر كبير في تهذيب النفوس، وردعها، وكبح جماحها، فهو كفارة في القتل الخطأ يقول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92].
وهو كفارة في الظِّهَار، يقول المولى – تبارك وتعالى -: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3 – 4]. وهو كفارة في خطايا الحج،يقول المولى – تبارك وتعالى -: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ} [البقرة : 196]. أو صيد المُحرِم وقت إحرامه، يقول الله – عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ} [المائدة : 95].
وهو كفارة في اليمين، يقول المولى – تبارك وتعالى -: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة : 89].
ولما كانت النفس البشرية من طبيعتها التلهف على معرفة ثمرة عملها، وجزاء جهدها وكفاحها؛ فقد أوضح رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الجزاءَ الذي أعده المولى – تبارك وتعالى – للصائمين، الذين جاهدوا أنفسهم، وحاربوا شهواتهم، وألجموا أطماعهم، وخاضوا أشرس معركة أمام أهوائهم ونزعاتهم، فقال – صلوات الله وسلامه عليه -: ((إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ .. يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ، فَيَقُومُونَ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ .. فَيَقُومُونَ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ)).
إن الصيام يربي النفس على مراقبة الله – عز وجل -، فالصائم حقًّا إنما يصوم مراقبًا لله – جل شأنه -، الذي لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، يقول سبحانه وعز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ} [آل عمران: 5].
والخير كله في مراقبة المولى – تبارك وتعالى -، ومن ذلك الخير العدلُ في الحكم، والإنصاف من النفس، وصون العرض والأمانة، وجميع شعب الإيمان التي يحرص كل الحرص مَن راقب ربه – عز وجل – على كسبها؛ فيغتنم ويسلم ويكون محسنًا، فقد قال المصطفى – صلوات الله وسلامه عليه -: ((الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)).
اللهم وفقنا في هذا الشهر الكريم إلى ما تحبه وترضاه، وطهر قلوبنا، وأرشدنا إلى الخير، واهدنا سواء السبيل، وحقق لنا الأمن والأمان، إنك نعم المولى ونعم النصير.
هناك أسبابٌ مُسوِّغة للإفطار، فصَّلها الفقهاءُ في مظانِّها[1]؛ لأنَّ الدِّين يُسرٌ لا عُسْر، وصحَّة الأبدان مُقدَّمة على صِحَّة الأديان، كما تقضي الأحكام الشرعية. ولكن مماَّ يملأُ النفس أسًى ولوعةً أن نرى بعضَ الشباب القوي المملوء صحَّةً وعافية، القادر على الصوم – يُفطِر جِهارًا نهارًا، بلا حياء ولا خجل في شهر رمضان، ويتحدَّى الصائمين المخبتين، يَنفثُ الدُّخَان في وجوههم بالأماكن الضيِّقة، وفي المجالس والسيَّارات الحافلة!
فكأنَّه لا يَكفيهم أن يظهروا في صورةِ الخارج على الدِّين، الفاسق عن أمر ربِّه حتى يضمُّوا إلى ذلك التجرُّدَ من الحياء، والتخلُّق بأخلاق المجَّان، السادرين في الغَواية والضلال، وليتَهم إذا أفطروا تستَّروا على أنفسهم؛ تصوُّنًا من القِحَةِ والسَّفه؛ عملاً بالأثر: “رَحِمَ اللهُ امرأً ذَبَّ الغِيبةَ عن نفسه”.
ومثل هذا قُلْ في بعض الشوابِّ اللاتي يَزدنْ على ذلك التبرجَ المقيت في المعارض القصيرة المبتذلَة، الكاشفة عن الظُّهور والبطون، والسِّيقان، بل وبعض الأفخاذ! وقد كان أبناءُ الأديان الأخرى في الزَّمنِ السالف – وإلى وقت قريب – يُوقِّرون شعورَ إخوانهم المسلمين، فلا يَطعمون ولا يَشربون أمامَهم! ويروي بعضُ المؤرِّخين: أنَّ أحدَ المجوس رأى ابنَه يأكل في رمضانَ فضربَه، وقال له: هلاَّ حفظتَ حُرْمةَ المسلمين في رمضان!!
وبعضُ هؤلاء كان يصومُ رمضانَ بالفِعْل – كالأديب العظيم أبي إسحاق الصابي – مجاملةً للمسلمين، كما كان يحفظ القرآنَ أحسنَ حِفْظ! ولم يتطرَّق الانحلالُ إلى هذه العادة النبيلة إلاَّ بعدَ أن رأى غيرُ المسلمين أنَّ المسلمين أنفسَهم لا يرعون حُرمةَ الصيام، فكيف يَرْجون لهم وقارًا؟! وصَدَق الشاعر حيث يقول:
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَعْرِفْ لِنَفْسِكَ حَقَّهَا *** هَوَانًا بِهَا كَانَتْ عَلَى النَّاسِ أَهْوَنَا
ولم يكن أسلافُنا – رضوان الله عليهم – يسكتون عن مثلِ هذه الجُرأة الصارخة على انتهاك رمضان.
يُحدِّث الكلبيُّ عن عوانة قال: خَرَج النجاشيُّ الشاعر في أوَّل يوم من شهر رمضان، فمرَّ بأبي سمال الأسدي – وهو قاعد بفناء داره – فقال له: أين تريد؟ قال: أردتُ الكُناسة[2].
قال: هل لك في رؤوس وأَلَيات[3] قد وضعت في التنُّور من أوَّل الليل، فأصبحتْ قد أينعت وتهرأتْ.
قال: وَيْحكَ! أفي أوَّل يوم من رمضان؟!
قال: دَعْنا ممَّا لا نعرف!
قال: مه!
قال: أسقيك شرابًا كالوَرْس[4]، يُطيِّب النفس، ويَجري في العرق، ويَزيدُ في الطَرْق[5]، ويَهضِم الطعام، ويُسهِّل للفَدْم[6] الكلام.
فنزل فتغديَا، ثم أتاه بنبيذٍ فشربَا!
فلمَّا كان آخرُ النهار، فضحهما الله – تعالى – فعَلَتْ أصواتهما، وكان لهما جار من شيعة الإمام علي – رضي الله عنه – فأتاه بخبرهما. فأرسل الإمامُ إليهما قومًا أحاطوا بالدار، فأمَّا أبو سمال فوثبَ على دار من دُور بني أسد فأفلتْ، وأُخِذ النجاشيُّ. وفي الصباح أقامَه الإمام في سراويل، وضرَبَه ثمانين سوطًا، ثم زاده عشرين. ونقل ابن حزْم: أنَّه أحضرَه ثاني يوم، وجلَدَه عشرين سوطًا. فقال النجاشيُّ: يا أميرَ المؤمنين، أمَّا الحدُّ فقد عرفتُه، فما هذه العلاوة (يعني: العشرين)؟ فقال الإمام: لِجُرأتِك على الله، وإفطارِك في شهر رمضان. ثم أقامَه في سراويل للناس، فجَعَل الصِّبيانُ يُصيحون به: خزى النجاشي! خزى النجاشي!
وأُتيَ عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – برجل شَرِب الخمر في رمضان، فلمَّا رفع إليه عثر الرجل، فقال عمر: على وجْهِك، ويْحَك! وصبيانُنا صِيام! ثم أمر به فضُرِب ثمانين سوطًا، ثم سيَّره إلى الشام، وكان – رضي الله عنه – إذا غَضِب على إنسان سيَّره إلى الشام.
وفي عهْد الملك الكامل الأيوبيِّ، كان يأمر في رمضانَ بإغلاق محلاَّت الخمور في القاهرة، وجميعِ أنحاء البلاد، وإغلاقِ المطاعِم والمقاهي نهارًا، وإمساكِ البغايا والقِيان! وكان يَذيع هذا النِّداء: يا أهلَ مصر، قد أظلَّكم شهرٌ مبارك، مَن لم يصمْه بغير عُذر شرعي، فقد باء بغضب الله عليه، واستحقَّ أشدَّ أنواع العِقاب، واستهدف لغضبنا عليه، وإنزال أشدِّ عقوبتنا به. وكان عندَ ثبوت الرؤية ينزلُ بنفسه في أوَّل يوم من رمضان؛ لمباشَرةِ الأسواق، وتفقُّد أحوال الرعية، فإذا صادف مُفطِرًا، وتبيَّن أنَّه أفطر تهاونًا بحُرْمة الشهر أَمَر بطرْحه، وضربه ضربًا مبرحًا.
وقد نصَّ العلماء على: أنَّ المفطِر عمدًا من غير عُذْر، مع اعترافِه بأنَّ الصومَ فرضٌ – حُكمُه: أن يُحبس حتى يتوب، ويظهر من آثار التوبة ما يُعرفُ عنه أنَّ توبته توبةٌ نصوح، ونصُّوا كذلك: على أنَّ المصرَّ على ترْك الصَّوْم يُقتل، وإن كان مَنَعَتُه[7] لا يُسلِمونه للحبس يُقاتَلون، كما في ترْك الصلاة، ولو أَكَل عمدًا شهرةً بلا عذر يُقتل.
قال الشرنباليُّ: ” إنْ تَعمَّد مَن لا عُذرَ له الأكلَ جِهارًا يُقتل؛ لأنَّه مستهزئ بالدِّين، أو مُنكِر لِمَا ثبت منه بالضرورة، ولا خلافَ في حِلِّ قتْله والأمر به”؛ كما جاء في “شرْح الدر” على المذهب الحنفيِّ. ويقول الصفوريُّ من الشافعيَّة: لو امتنع إنسانٌ من الصَّوْم لغير حاجة حُبِس، ومُنِع من المفطرات. وكان سعيد بن المسيِّب يُوجِب في قضاء رمضانَ صومَ شَهْر عن كلِّ يوم، ونُقِل عن الأوزاعيِّ: أنَّه يجب في قضاء رمضان ثلاثةُ آلاف يوم.
وهذا كلُّه من التغليظ على مُنتهِك حُرمةِ هذا الشهر الكريم بلا مقتضٍ، وإلاَّ فالكفَّارة الشرعيَّة على مَن له عذر معروفة.
والحقُّ أنَّه مع ضعْف الوازع الدِّينيِّ في العصور المتأخِّرة، ومجاهرة بعضِ الناس بالإفطار صَفاقةً ووقاحة، وهم الذين قال فيهم رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّ أمَّتي معافًى إلاَّ المجاهِرين))، الحقُّ أنَّه مع ذلك لا يزال كثيرٌ من العامة يعدُّ الصيامَ أهمَّ فرائض الدِّين، فتراه يترك الصلاة كلها أو بعضها، أو يؤدِّيَها في غير وقتها، ولكنَّه لا يفرِّط في صيام رمضان!
بل منهم من يَترُك نفسَه ترعى حيث تُحب، وترتع كما تشاء، حتى إذا بَزَغ هلالُ رمضان، انقلب من شيطان رجيم، إلى مَلَك كريم! وأقبل على العِبادة بنفس لوَّامة. والله المرجو أن يُديمَه على طريق الهداية والرَّشاد، فلا يعود إلى مآل لذَّاته، ومعاهدِ شهواته. ولا نزال نسمع في القُرى،وفي رمضانَ بعضَ الأحياء مِن المدن – صِبيانًا يُصيحون هذه الصيحةَ المدوية الزاجرة، التي تقرعُ أسماعَ المفطرِين بغير حق:
يا فاطر رمضان يا خاسر دينك
كلبتنا السودة تقطع مصارينك
والحقُّ أيضًا: أنَّ صيام رمضان المفروض على المسلمين لا يُعدُّ صيامًا قاسيًا ولا ضارًّا، بل ولا يُوصَف بأنَّه شاقٌّ؛ لأنَّ المنَّان الرحمن لا يُكلِّف عبادَه ما لا يُطيقون.
وقد دلَّت النظريات الطبيَّة على أنَّ الجوع الذي يحسُّ الصائمُ به إذا كان وقت طعامه المعتاد، إنَّما هو جوعٌ كاذب أو محتمل، سببُه العادة؛ لأنَّ المعدة ألِفتْ أن يُلقَى إليها بالطعام في هذا الوقت؛ ولهذا لا نسمع صوتَ المعدة، ولا نحسُّ وجودَها إذا احتضرَنا الهمُّ، أو شغلتْنا الشواغل، واضطرابنا في خِضَمِّ الحياة.
وهناك ما هو أدلُّ على أنَّ جوع الصائم مَردُّه أكثر ما يُردُّ إلى حُكم العادة: أنَّنا لا نشعر بلذع الجوع إلاَّ في الأيَّام الأولى من رمضان، حتى إذا مضتْ منه أيَّام، مُرِّنَّا على الصَّوْم، وألِفْناه وحمدنا، وسكنَّا إليه، وأصبح هو القاعدةَ، فإذا ما قضَيْنا رمضان، وعُدْنا إلى عاداتنا المعهودة من قَبلُ، وجدْنا في أنفسنا انقباضًا عن الطعام والشراب، وأحسسْنا أنَّ الفطر ثقيلٌ ومتعب، ومُضيِّع للوقت.
وأذكر أنَّني التقيتُ مَرَّة بالصَّدِيق التقي الوَرِع خادمِ القرآن، المرحوم الأستاذ محمد فؤاد عبدالباقي، فعرفتُ أنَّه يصوم صيامَ داود – عليه السلام – فقلتُ له: وهل تستطيع أن تقومَ بهذه الأعمال الفِكريَّة الشاقَّة مع هذا الصوم المتواصل؟!
فكان جوابُه:لولاَ هذا الصيامُ لم أستطعْ أن أقومَ بأيِّ عمل، وإنَّ هذه الأعمال مِن ثمرات هذا الصيام.
هذا هو الحقُّ لا شكَّ فيه، فليس لهؤلاء الشُّبَّان الأقوياء العتاة عُذرٌ في الإفطار، وحتى لو كان لبعضِهم عذر، لكان من الحياء والتذمُّم، والبعد عن الشبهات أن يعملوا بالأثر الشريف: ((إذا بُليتُم فاسْتَتروا)).
والله وليُّ التوفيق، والهادي إلى أقوم طريق.
ـــــــــــــــــ
[1] أي: في أماكنها التي يُظنُّ وجودها فيها.
[2] قال الأستاذ: الكُناسة: بضم الكاف: موضع بالكوفة.
[3] قال الأستاذ: الأَلَيات: بفتح الهمزة واللام والياء، جمع أَلْيه – بفتح فسكون – وهو العَجيزة، أو ما حَمل العَجُز من لحم وشَحْم، ولا تقل: إِلية – بكسر الهمزة – ولا لية.
[4] قال الأستاذ: الوَرْس: كوَرْد، نبات كالسِّمسم لا يُزرع إلاَّ باليمن، تصبغ به الثياب، ومنه ثوبِ مُوَرَّس – بالتشديد.
[5] قال الأستاذ: الطَرْق – كفرق -: الوِقاع.
[6] قال الأستاذ: الفَدْم: العيي عن الكلام في ثِقل ورخاوة، وقلَّة فَهْم، والأحمق الغليظ المجافي.
[7] قال الأستاذ: مَنَعة الرجل – بفتح الميم والنون والعين -: عشيرتُه.
و الآن نأتي إلى الإعجاز العلمي
شرع الله سبحانه صيام شهر رمضان وجعله أحد الفروض الأساسية في الإسلام؛ كما شرع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصيام الاختياري على مدار السنة. قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يحييكم} (الأنفال 24) (3)،ومما لا شك فيه أن للصيام فوائد واسعة وكذلك العبادات الأخرى التي شرعها الله ورسوله لنا. وكان يعتقد في الماضي أن هذه الفوائد مقصورة على الجوانب الروحية والعاطفية؛ غير أن العلم الحديث اليوم يكشف الدليل بعد الآخر على الفوائد البدنية والنفسية لمن يلتزم التعاليم الإسلامية. هذا وقد ثبت حديثا أن للصيام فوائد صحية على جهاز المناعة (1،2) وعلى الجهاز الدوري والقلب (3،4،5) وعلى الجهاز الهضمي (6) وعلى الجهاز التناسلي (7،8) وعلى الجهاز البولي (9)؛ وأن هذه التأثيرات المفيدة للصيام سجلت على المستوى الوظيفي للخلايا والأنسجة، وتأكدت بالدراسات الكيميائية والمعملية.
هناك فرضية عامة في العديد من البلدان الإسلامية مفادها: أن الصيام يؤثر على الأداء العام للجسم وخصوصا الأداء البدني, مما قاد الكثيرين إلى تخفيض ساعات العمل أثناء صيام شهر رمضان. لذلك قمنا بهذه الدراسة للتحقق من هذه الفرضية. حيث ثبت لنا من خلال الدراسة أن الصيام الإسلامي ليس له أي تأثير سلبي على الأداء العضلي وتحمل المجهود البدني، ولا يؤدي إلى مظاهر الإرهاق والإجهاد، بل العكس هو الصحيح لأن نتائج هذا البحث أظهرت وجود تحسن ـ ذي قيمة إحصائية ـ في درجة تحمل المجهود البدني، وبالتالي كفاءة الأداء العضلي، وكذلك أداء القلب مع المجهود أثناء الصيام،كما ظهر تحسن بسيط في درجة الشعور بالإرهاق.
وقد أجريت الدراسة على عشرين من المتطوعين الأصحاء ـ ثمان إناث واثني عشر من الذكور ـ والذين تراوحت أعمارهم ما بين 12 إلى 52 سنة،وقد قيست درجة الأداء البدني وأداء القلب عند المتطوعين قبل رمضان وأثناء الأسبوع الثالث من رمضان حسب الطريقة التالية:
قبل رمضان بأسبوعين قيست درجة أداء القلب مع المجهود حسب البرنامج «بالك BALK» المعدل, وهو تدريب متزايد الحد بسرعة 3.4 ميل في الساعة وارتفاع متزايد بدرجة 2.5% كل دقيقتين على آلة المشي من نوع. «COMPUSTRESS» TREADMILL MODEL 1100 By MEDTRONIC IMC COMPANY وهي مزودة بجهاز للرصد التلقائي لتخطيط القلب وسرعة النبض مع إضافة قياس ضغط الدم في نهاية كل دقيقتين، واستمر الفحص حتى وصل المتطوع إلى درجة الجهد الأقصى،والوصول إلى درجة الشعور بالإنهاك،وتحدد بمعيار بورج (BORG) (10)الذي يحدد درجة الشعور بضيق التنفس وإرهاق الساقين،وهو يعطي قيمة رقمية من صفر إلى 10 لدرجة الشعور بضيق التنفس أو إرهاق الساقين.
هذا في الفحص الأول قبل رمضان بأسبوعين؛ لتحديد الحد الأقصى من الجهد لكل متطوع،وقبل رمضان بأسبوع أجري الفحص الثاني لكل متطوع؛ لاختبار درجة الأداء البدني وأداء القلب تحت ظروف تعادل 85% من الحد الأقصى للجهد وهي ما تسمى بمرحلة الجهد الثابت ـ وهي ظروف ثابتة من سرعة وارتفاع الآلة من بداية الفحص إلى نهايته، وقيست في هذا الفحص المدة القصوى التي أكملها المتطوع مع قياس أداء القلب ودرجة الشعور بالإرهاق،متمثلا في درجة ضيق التنفس وإرهاق الساقين في نهاية الفحص..وأثناء الأسبوع الثالث من رمضان أجري الفحص الثالث لاختبار درجة الأداء البدني. وقورنت نتائج الفحص الثالث (أثناء الصيام) بنتائج الفحص الثاني (قبل الصيام) حسب المعايير التالية:
1 ـ المدة التي أكملها المتطوع على آلة المشي.
2 ـ درجة أداء القلب عند نهاية الفحص؛ ممثلة في سرعة النبض وحصيلة ضغط الدم مضروبا في سرعة النبض.
3 ـ درجة الإرهاق البدني؛ ممثلة في درجة الشعور بضيق التنفس وإرهاق الساقين،وقد أجريت الفحوص في وقت العصر، وفي ظروف متماثلة بحيث كان الفارق الوحيد بين الفحص الثاني والفحص الثالث هو كون المتطوع غير صائم أو صائمًا. وقد أعطى الحاسب الإحصائي النتائج مقارنا نتائج الفحص الثالث بنتائج الفحص الثاني حسب طريقة ت (T. TEST) مستعملا برنامج (STATPRO) للحاسب الآلي (11).
وكانت النتائج كالتالي:
1 ـ ازدادت مدة التدريب التي أكملها المتطوع على آلة المشي من 10.2 (+ ـ 7.3) دقيقة قبل رمضان إلى 16.8 (+ ـ 14.4) دقيقة أثناء رمضان (احتمال الخطأ أقل من 0.01), أي تحسن بمقدار 65%؛ وقد كانت مدة التدريب أثناء الصيام ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل الصيام, أي تحسن 200% في 30% من المتطوعين, وتحسنت مدة التدريب 7% عما كانت عليه قبل الصيام في 40% من المتطوعين (شكل2).
2 ـ انخفضت سرعة دقات القلب من 170(+ ـ 17.7) دقة في الدقيقة قبل رمضان إلى 159 (+ ـ 22.3) دقة في الدقيقة أثناء الصيام (احتمال الخطأ أقل من 0.01), وهذا يعني تحسنا بمقدار 6% (شكل2).
3 ـ انخفضت حصيلة ضغط الدم مضروبا في سرعة النبض من: 24441 (+ ـ 3797) دقة/دقيقة/مم زئبق قبل رمضان إلى 21232 (+ ـ 3972) دقة/دقيقة/مم زئبق أثناء الصيام (احتمال الخطأ أقل من 0.001), وهذا يعني تحسنا بمقدار 12% (شكل 3).
4 ـ انخفضت درجة الشعور بضيق التنفس من 6.5 (+ ـ 2.3) درجة قبل رمضان إلى 9.5 (+ ـ 2.2) درجة أثناء الصيام (احتمال الخطأ أقل من 0.05), وهذا يعني تحسنا بمقدار 9% (شكل 4).
5 ـ انخفضت درجة الشعور بإرهاق الساقين من 6.1 (+ ـ 2.5) درجة قبل الصيام إلى 4.5 (+ ـ 2.5) درجة أثناء الصيام (احتمال الخطأ أقل من 0.05), وهذا يعني تحسنا بمقدار 11% (شكل 5).
المناقشة:
لقد حدث تحسن واضح ذو قيمة إحصائية في درجة تحمل الجهد البدني تحت الضغط. كما وجد أن هناك بعض التحسن في درجة الشعور بالإعياء؛ وإن لم يكن ذا قيمة إحصائية. وهذا التحسن لم يكن متوقعا،ويتعارض مع الشعور العام بأن الأداء العضلي والبدني للجسم يكون أكثر احتمالا للضعف أثناء الصيام (12).
إن الدراسات على جسم الإنسان أظهرت نتائج مختلفة لهذه الفرضية (15،14،13) وقد أظهرت دراسات إنسانية عديدة أن الصيام لمدة 36،27،24 ساعة كان له تأثير سلبي على الأداء البدني والعضلي. وهذا يوضح أن التحسن في أداء الأشخاص في هذه الدراسة ـ بالإضافة إلى أداء الحيوانات في الدراسة السابقة (12) ـ يرجع إلى نوع الوقود المختلف الذي يستخدم لتوليد الطاقة أثناء الصيام, مقارنا بالوقود المستخدم في الظروف الطبيعية بدون صيام.
وقد أظهرت دراسات عديدة (20،19،18،17،16) أن الصوم يسبب زيادة في الأحماض الدهنية الحرة في الدم؛ المصدر الرئيسي للطاقة بدلا من الجلوكوز, وهذا يساعد في تقليل نضوب جليكوجين الكبد والعضلات أثناء الشدة، ويساعد هذا في حماية مستوى الجلوكوز في الدم. وكجزء من عملية التعود أثناء الصيام تستخدم المصادر الداخلية للطاقة بدلا من المصادر الخارجية التي تستخدم في الظروف الاعتيادية بدون صيام. وتحت الظروف الطبيعية بدون صيام فإن الجلوكوز يكون هو المصدر الرئيسي للطاقة أثناء الجهد العضلي،ومع زيادة هذا الجهد فإن مستوى الجلوكوز في الدم ينخفض بسرعة مؤديا إلى الشعور بالإعياء والإنهاك.
إن الاعتماد على الجلوكوز كمصدر للطاقة في حالة الصيام يكون بنسبة أقل،حيث تتوفر الأحماض الأمينية في الدم بكميات كافية لإمداد الجسم بالطاقة،لذا فالأداء العضلي يتحسن. إن الشعور بالإعياء والإنهاك إما أن يقل أو يتأخر،مما يجعل الجسم يتحمل أداء الجهد لفترة طويلة.
هناك تناقض بين نتائج هذه الدراسة والدراسات الإنسانية الأخرى؛ وهذ يمكن أن يرجع في الحقيقة إلى ثلاثة دراسات (15،14،13) طبقت على أشخاص صاموا لفترات طويلة تتراوح من 24 ـ 36 ساعة كمدة متصلة. وفي الواقع فإن فترات التجويع في هذه الدراسات طويلة،ولم تكرر التجارب بكفاية في أغلب الظن لإنجاز التكيف المرغوب. إن فترة التجويع في دراستنا قصيرة نسبيا،حيث لا تتعدى من 11 ـ 14 ساعة (الفترة ما بين وجبة السحور قبل الفجر ووقت الفطر بعد الغروب) وقد كان وقت إجراء الدراسة من 3 ـ 4 ساعات قبل غروب الشمس. وفترات الصيام تكررت يوميا لمدة 14 ـ 21 يوما (الدراسة أعيدت أثناء الأسبوع الثالث من صيام رمضان) وقد ساعد هذا في إنجاز التكيف المطلوب بجانب العوامل النفسية،والتي يمكن أن يكون لها تأثير جزئي على النتائج البدنية.
وفي الدراسات التي أظهرت التأثير السلبي للصيام كان الأشخاص يشعرون أثناءه بالجوع الشديد،كما أن تأثير شعورهم بالحرمان على نفوسهم أثناء التجارب كان له أثر في ذلك أيضا. أما في دراستنا ـ من ناحية أخرى ـ فالجوع كان لفترة قصيرة مع تأثير نفسي إيجابي على الأشخاص الذين يقومون بالتجربة.
إن صيام شهر رمضان فعل يقصد به عبادة الله تعالى ولذا يتوقع منه حصول فوائد نفسية وروحية للصائمين،ولذلك فمن المحتمل أن الحالة النفسية الإيجابية يمكن أن ينتج عنها زيادة في بعض هرمونات الجسم الداخلية مثل: مجموعة الأندروفينات والتي يعزى إليها تحسن الأداء البدني وقلة الشعور بالإعياء والتعب.
كما تدعم نتائج دراستنا ببعض الأحداث التاريخية. وهكذا فليس من المصادفة أن موقعة بدر التاريخية ـ في عصر الإسلام الأول ـ ومعركة العاشر من رمضان والتي تحقق فيها عبور قناة السويس وتحطيم خطوط إسرائيل الدفاعية ـ في العصر الحاضر ـ أن تكونا وقعتا أثناء شهر الصيام،ومن المعروف أن الجنود الصائمين كان أداؤهم جيدا أثناء القتال، مما يؤكد قوة تحمل الأشخاص للمجهود البدني والنفسي أثناء الصيام.
والخلاصة أن نتائج دراستنا تقدم دليلا علميا جديدا لقول الله تعالى: {وأن تصوموا خير لكم } (البقرة 184) (2) ولمعنى حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ «صوموا تصحوا» (1) .
((وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ))
يخاطبنا المولى – سبحانه وتعالى – بأحب نداء إلى قلوبنا، وهو الإيمان، في قوله – تعالى -: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ï´¾ [البقرة: 183]، ففي قوله – تعالى -: ï´؟لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ï´¾ تحقيق التَّقوى التي هي ثمرة الصيام، فالصِّيام له غاية، فكان الله – سبحانه وتعالى – من الممكن أن يأمرنا بالصيام، فنصوم دون أيِّ مشْكلة، ولكنَّه يُلاطِفُنا بقوله – تعالى -: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ï´¾، وهي في أول الآية؛ كي تتحقَّق هذه الثمرة من الصيام في نهاية الآية وهي التقوى، والقرآن الكريم مليءٌ بالآيات التي تتحدَّث بجَلاء عن ثواب المتَّقين، ومنها قوله – تعالى – في سورة القمر: ï´؟ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ï´¾ [القمر: 54 – 55]، فإذا صُمْنا على مراد الله، وعلى سُنَّة الحبيب فسوف تتحقَّق لنا التقوى.
الصيام ليس مجرَّد امتناع عن الطعام والشراب، ولا عن الزَّوجة الحلاَل، ولكنَّه صيام شامل، فالجوارح تَصُوم، واللِّسان يصوم، والعين تصوم بكَفِّ الأذى، وغَضِّ البصر، واشتملت الآية على كلِّ هذا، فكل هذا من التقوى، فإذا حقَّقْنا هذه التقوى، لأَصْبحنا من المتَّقين، وفُزْنا بهذا الجوار عند مَليكٍ مقتَدِر.
هذه هي الرِّسالة الأولى التي قَرَّب الله بها حُبَّ هذه الفريضة إلى قلوبنا؛ حتى نتقرَّب إلى الله – تعالى – بهذه التقوى، وندخل في زُمْرة المتقين، فنصيب بهذا الثوابَ – بإذن الله.
أمَّا الرسالة الثانية، فملاطَفةٌ من الله – عزَّ وجلَّ – وهو اللَّطيف: ï´؟ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ï´¾ [البقرة: 184] هذه خيريَّة الصيام، فمن الملاحظ أنَّ كلمة “خير” ذُكِرت أكثر من مرَّة، فكانت الرسالة الأولى التقوى، والرسالة الثانية الخيرية.ولكن الله – تبارك وتعالى – اشترط علينا العلم؛ لمعرفة هذه الخيريَّة؛ حيث قال لنا: ï´؟ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ï´¾، هذه حقيقة الخير الذي يُوجَد في الصيام في الدُّنيا والآخرة، فالخير موجود، ولكن الذي يريد أن يعرفه – شرط جاء من عند الله -: ï´؟ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ï´¾، فاشترط الله العلم لمعرفة الخيرية، وسَخَّر لنا العلم الحديث؛ حتَّى نتحَدَّث عن ذلك باستفاضة في هذه الرِّسالة الطيِّبة: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، فمِن أوجه خير الصيام في الدنيا قوله – تعالى -: ï´؟ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ï´¾ [النحل: 97].فالله جعل صحَّة الأبدان بسبب الصيام من الحياة الطَّيِّبة، التي وَعَد بها المؤمنين والمؤمنات بنصِّ الآية الكريمة، فالمؤمن الحقُّ يُنَزِّه دائمًا الطاعات عن المبرِّرات، فنحن نصوم دائمًا طاعةً لله – تبارك وتعالى – ورغبةً فيما عنده من الثواب.
فالصيام ليس مجرَّد عبادة، فالعبادة هي الهدف الأسْمَى، ولكنَّه شفاء من السماء لعباد الله – عزَّ وجلَّ.وهذا وجه الإعجاز العلمي في الصيام الذي سنتحدَّث عنه: وعلاج كثير من الأمراض تجديد خلايا الجسد لنشاط الجسم، والصيام هو الصيانة السَّنَوية الرَّاقية لمن يحرص عليه، ويصومه على مراد الله وسُنَّة رسوله، فمِن الإعجاز العلمي دائمًا نقول: إنَّ الصيام يقلِّل لنا الطَّعام بنسبة 50% بمعنى أنَّنا في الفِطْر نأكل ثلاث وجبات، وفي الصيام تُقَلَّل الوجبات إلى وجبة ونصف؛ لأنَّ من الهَدْيِ الشريف ألاَّ نُثْقِل في وجبة السحور، ونذكر من خلال الأَبْحاث العلمية المتواترة والموثَّقة نفعَ الصيام ضدَّ كثير من الأمراض والعلل الجسميَّة والنَّفْسية؛ حفاظًا وصيانة سنوية، كما سنرى – بإذن الله.
مثال على ذلك:
راحة القلب:عندما ننام تَستريح العين، وعندما نمشي كثيرًا سنَتْعب، ونجلس على كرسي؛ لكي نستريح فتستريح القدَمان من التَّعب، فكلُّ أعضاء الجسد تأخذ راحتها في وقْتٍ ما، فالقلب أمير البَدَن، فوجدوا فسيولوجيًّا أنه لا يمكن للقلب أن يستريح؛ لأنه لو ركَن إلى الرَّاحة ولو دقائق، لمات الإنسان.إذًا، متَى وكيف تكون راحة القلب؟ هذه الراحة لا تتأتَّى إلاَّ في الصيام؛ فإنَّ متوسِّط نبضات القلب في الدقيقة الواحدة 72 نبضة، هذه النبضات وجدوها فسيولوجيًّا أنها في الصيام تقِلُّ إلى 60 نبضةً في الدقيقة الواحدة، فتَقِلُّ نبضات القلب في ثلاثين يومًا بنسبة 270 ألف نبضة، وهذا في حالة صيام الإنسان دون أيِّ أمراض، فهذه راحة كاملة للجهاز الهضمي؛ حيث إنَّ الإنسان في حالة الإفطار يعمل الجهاز الهضمي كثيرًا لهضم الطعام؛ نظرًا لأنَّ الإنسان يأكل ثلاث وجبات، فيحتاج ذلك إلى ضخِّ الدم بصورة أكبر لنشاط الجسم، أما في حالة الصيام فلا يوجد طعام، فذلك راحة للقلب.
من ناحية أخرى، فإنَّ السموم المتراكمة في الجسم نجد أنَّ الكبد هو المِصْفَاة لهذه السموم، هناك سمُوم تتراكم في الجسم من كمِّية المياه التي يَشربها على مدار حياته، ووُجِد علميًّا أنَّ كميَّة المياه التي يشربها الإنسان على مدار حياته يُوجَد بها 200 كيلو جرام من المعادن الثقيلة المُذَابة في المياه، إضافة إلى السموم الموجودة في الهواء والطعام، والمولى – سبحانه وتعالى – خلَق لنا هذا الكَبِد، وجعل له وظائف عديدة:
1- عملية التَّخْزين؛ حيث إنَّ الإنسان الموظَّف – غالبًا – يبدأ يومه العاديَّ بوجبة الإفطار، ثم كوب شاي في العمل، ثم (سندوتشات) كذلك، وكل هذا فيه نشويَّات وسكَّريات، فالكبد هو بمثابة المَخْزن لهذه النشويات والسكريات.
2 – عملية تطهير الجسم من السموم، فعندما يكون الإنسان صائمًا، فإنَّ الكبد يكون في راحة تامَّة من عملِيَّة التخزين بنسبة 15 إلى 16ساعة في اليوم، فيقوم بعملية تطهير الجسم من كل السموم؛ يقول الدكتور عبدالجواد الصاوي في كتابه “الصيام معجزة علميَّة”؛ يقول: “تستمرُّ عملية التنظيف وكأنَّ الإنسان يَخرج من هذا الشهر الكريم أنظف مما كان عليه”، كذلك تحدث عملية تجديد في الخلايا؛ نتيجة راحة الجسْم، وتَظْهر هذه في البَشرة وفي صفَاء العينين وجمال الوجه.
وكذلك يتجلَّى في الإعجاز العلمي في الآية ï´؟ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ï´¾ [البقرة: 184] قوة المناعة، فوجدوا علميًّا أنَّ الخلايا المقامة تزداد فاعليتها بنسبة 10 أضعاف، فيوجد في الجهاز المناعي خلايا تسمَّى الخلايا اللِّمفاوية والتائية، والتي تحتاج إلى طاقة كبيرة؛ لِكَي تقوم بوظيفتها، وهذه الطاقة لا تتوفَّر إلاَّ في الصيام؛ لِتَوقُّف الجهاز الهضمي عن عملية الهضم، فتنشط هذه الخلايا.هذه هي معجزات الله الطبِّية في الصيام، الذي يُعَدُّ بمثابة الوقاية السَّنوية لجسم الإنسان من كثير من الأمراض، فسبحان الله العظيم الذي أنعَم علينا بنعمة الصِّيام، ولكنَّنا لا نَشْكره على نِعَمه؛ ï´؟ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ï´¾ [الأنعام: 91].نسألُ الله العظيم أن يُعِيد علينا رمضان أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة؛ إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه.
أخي/ أختي: يجب أن تعلم/تعلمي:
أولا: أنَّ الإسلام عندما جعل الصَّيام فرضًا واجبًا على المسلم إنّما سبق الأطباء جميعًا في دعوتهم إليه منذ مئات السِّنين … قال -تعالى-: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].
ثانيًا: أنَّ الله -تعالى- (برحمته)، لا يكتب شيئًا على عباده، إلا إذا كان لهم فيه مصلحةٌ في الدُّنيا والأجر العظيم في الآخرة… قال -تعالى-: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.
الدِّين النَّصيحة
يا صاحبي- نذكرك بأنَّ الصِّيام ليس هو -فقط- الامتناع عن الطَّعام والشَّراب، وإنَّما هو -أيضًا- الامتناع عن كل ما حرَّم الله –سبحانه- من المعاصي والمنكرات، والمداومة على الطَّاعات. نسأل الله تعالى أن نكون جميعًا من هؤلاء… إنَّه سميعٌ مجيبُ الدّعوات…
قال -تعالى-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].
قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدَّم من ذنبه» [رواه البخاري 38 ومسلم 760].
مليون شكر للأخت المصممة المحترفة Pure Princess على تصميمها فواصل الموضوع
2- http://hams2all.ahlamontada.com/t5162-topic
3- http://www.alukah.net/Spotlight/0/33691/
4- http://www.kaheel7.com/ar/index.php/2010-02-02-22-25-21/364-2011-07-30-14-09-20
5- http://http://www.alukah.net/Spotlight/0/7153/
6- http://www.alukah.net/Sharia/0/9519/
7- http://www.alukah.net/Spotlight/0/1097/
8- http://www.alukah.net/Spotlight/0/1094/
9- مجلة “الوعي الإسلامي” السنة4، العدد 45، رمضان سنة 1388، ص52- 55. – http://www.alukah.net/Spotlight/0/7155/
10- د. أحمد القاضي – معهد الطب الإسلامي للتعليم والبحوث، بنما سيتي، فلوريدا – الولايات المتحدة الأمريكية
http://www.muslm.net/vb/showthread.php?332881-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D8%AC%D8%A7%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D8%A7%D9%85
11- http://www.alukah.net/Culture/10336/34164/
ملاحظة رقم المصدر يدل على رقم المشاركة